عزت القمحاوي
القدس العربي 7-1-2011
هذا واحد من أعياد السيد المسيح النادرة في تاريخ مصر؛ لعله الثاني في مائة عام أي منذ ثورة 1919. كانت ثورة على الأجنبي ولم تعرف أثناءها الأرض المصرية مسلمها من قبطيها، كان المصريون جميعا ينشدون لبلدهم بشارة المسيح 'على الأرض السلام وبالناس المسرة'.
وأظن ظنا يقترب من اليقين أن أعياد الميلاد هـــــذا العام هي الثــانية التي اشترك فيها أكبر عدد من مسلمي مصر في ترديد البشارة والتمسك بها مع الأقباط: 'على الأرض السلام وبالناس المسرة'.
في 1919 أنشدوها بكل الأمل في الخلاص من المستعمر الإنكليزي، والأمل فرح بالحياة ووعد الحياة. واليوم يقولها المصريون بكثير من الكمد والخوف على خراب الأرض، التي كان أسلافهم ـ عبر آلاف السنين ـ يعتقدون أن الدنيا في شرقها والآخرة في غربها، ولا وجود لحياة أولى أو بعث أو خلود خارجها.
يحل مولد السلام هذا العام بعد جريمة التفجير أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة، وبعد كل ما ترتب على الجريمة من مظاهرات الغضب التي اجتاحت مصر؛ الغضب على الدماء المصرية التي أريقت أيقظ كل أسباب الغضب وكل أسباب الخوف على مصر في ظل نظام يمضي من فشل إلى فشل متمترسا خلف الأمن.
صحيح أن التفجير الجبان يمكن أن يحدث في أي مكان ويمكن أن يكون مرتبطا أو غير مرتبط بالخارج، وصحيح أن العمل الانتحاري هو الأصعب في مقاومته، لكن الفتنة واضحة. وعندما امتد العنف الطائفي إلى الإسكندرية منذ سنوات كان ذلك نذيرا بوصول الخطر إلى أقصاه؛ فعندما تتحول المدينة الكوزموبوليتانية ـ التي احتضنت جنسيات وطوائف من كل الأديان ـ إلى أرض للخوف معناه أن الفشل في الملف الطائفي جاوز المدى.
وكثير من الفشل يمكن تداركه: الفقر يمكن علاجه بالتنمية، الأموال المهربة إلى الخارج يمكن استعادتها أو تعويضها، منح ممتلكات الشعب من أراضي البناء والزراعة لحفنة من مليارديرات القصر يمكن استردادها بمحاكمات عادلة أو بالتأميم مرة أخرى، المكانة الإقليمية لمصر يمكن بكثير من التعب إعادتها.
وحده الفشل الأخير هو الأخطر؛ الفشل في تحقيق ولو نصف بشارة المسيح: السلام على أرض مصر.
' ' '
لا يختلف الفشل الأكبر مع الفشل في الملفات الأخرى، كون الإخفاق كله نتيجة طبيعية لحكم مصر يوما بيوم.
و'المياومة' نظـــام بغيض إنسانيا، على مستوى الأعـــمال الدنـــيا والعمالة غير الماهرة التي تعــمل يوما بيوم من دون ضمانة لغد.
'مياومة' حمالي الأثقال وعمال الحفر والردم تختلف عن المياومة فوق سرير الحكم؛ الأولى تهدد العامل نفسه، والثانية تهدد شعبا في وجوده.
لا يملك الحكم رؤية استراتيجية بخصوص ما صار معروفا بـ 'ملف الوحدة الوطنية' أو العكس'الفتنة الطائفية'ولكنه يحكم'بما يبقيه يوما آخر، ويتصرف بالممكن في كل ظرف من ظروف الاحتقان المتصاعد.
يتم تعطيل قانون بناء دور العبادة الموحد عاما بعد الآخر خوفا من ردة فعل تدين الأغلبية المسلمة (المسيس وغير المسيس) يتم السكوت على شكاوى الأقباط من التفرقة في تولي المناصب العليا، يدخل النظام في فخ دس أنفه بأمور الدين عندما يشكو مواطن قبطي متضرر من حظر الزواج للمرة الثانية؛ فيصدر حكم ضد قداسة البابا لإلزامه بمنحه بركة الكنيسة، بينما كان من الطبيعي أن يكون هناك قانون للزواج المدني بين المصريين يلجأ إليه من يريد، ويلتزم من يريد بركة الدين بالرؤية الدينية. وبعد تدخل الدولة في اللاهوت تتنازل للكنيسة في حق من الحقوق المدنية عندما تتركها تعاقب سيدة تحولت إلى الإسلام.
بين النظام والكنيسة العدل ليس مهما، وما لله يمكن أن يُعطى لقيصر، وما للوطن يمكن أن يُنذر لله، طالما بقي النظام موجودا.
' ' '
على مستوى الفصل بين المواطنين والتحكم في اقتصاد البلاد فحدث ولا حرج.
يسكت النظام على شركات توظيف الأموال، التي شقت المصريين على أساس طائفي، بادعائها العمل طبقا للمرابحة الإسلامية، وعندما يجدها خطرا على المستوى الأمني باحتمال تمويل الإرهاب يغلقها بقرار عشوائي يضير المودعين الصغار. وسرعان ما تنتقل جهود تديين الاقتصاد إلى المحال التجارية التي تبيع السلع الرخيصة والدين في'شكل مظاهرة معلنة من التلاوات الصاخبة وجلاليب البائعين القصيرة ولحاهم الطويلة. والمظاهرة نفسها في وسائل النقل الجماعي التي يديرها القطاع الخاص الأدنى ثقافيا واجتماعيا، بعد تدهور وسائل النقل الجماعي المملوكة للدولة. وقد تحول التاكسي والباصات الصغيرة إلى دور إفتاء طائشة تبث سمومها ضد الأقباط وضد المرأة غير المحجبة المجبرة على الاستماع إلى دعاة إلى الله بالتي هي أسوأ إلى حد وصفها بالعهر من شيوخ الفتنة، بينما يلتصق بها متحرش راض عما يسمعه!
أفسد الحكم بالمياومة حتى تدين المصريين وجعله شكليا، وتنازل عن مسؤوليات الدولة إلى المحسنين في إطار مشروعات خيرية تقدم في إطار ديني من جمعيات تتسول للفقراء 'اكفل قرية فقيرة' وهي المرحلة النهائية لفشل الدولة المعلن من قبل في شكل العيادات الطبية في المساجد والكنائس التي حلت محل مستشفيات الدولة الفاشلة.
وكل هذا التخريب بغياب القانون وغياب الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية والاقتصادية تتم تغطيته بالنفاق الديني في موائد إفطار الوحدة الوطنية بالكنائس وبترديد أكبر كذبة في تاريخ اللاتسامح المصري 'عناق المساجد والكنائس' حيث يحلو لمن يريدون التدليل على عمق الوحدة الوطنية أن يشيروا إلى وجود مسجد بجوار كل كنيسة، على الرغم من أن جميع المسلمين والأقباط يعرفون أن هذا التجاور ليس سوى تحرش معماري بغيض، وكان على الدولة أن تضع حدا له بفرض مسافة قانونية لكل دار عبادة لا ينبغي أن تخترقها دار عبادة أخرى. والغريب أن هذا التلاصق أو التواجه ممنوع بين مسجد ومسجد، حيث لا تعتمد وزارة الأوقاف المصرية مسجدين يبتعد أحدهما عن الآخر بأقل من أربعمائة متر!
' ' '
نعرف نحن المصريين الذين لا نرضى أرضا أخرى لعيشنا كل هذا وسنقاومه كما نقاوم كل تقصير وكل فشل وسنردد معا 'على مصر السلام وبناسها المسرة'.
هذا واحد من أعياد السيد المسيح النادرة في تاريخ مصر؛ لعله الثاني في مائة عام أي منذ ثورة 1919. كانت ثورة على الأجنبي ولم تعرف أثناءها الأرض المصرية مسلمها من قبطيها، كان المصريون جميعا ينشدون لبلدهم بشارة المسيح 'على الأرض السلام وبالناس المسرة'.
وأظن ظنا يقترب من اليقين أن أعياد الميلاد هـــــذا العام هي الثــانية التي اشترك فيها أكبر عدد من مسلمي مصر في ترديد البشارة والتمسك بها مع الأقباط: 'على الأرض السلام وبالناس المسرة'.
في 1919 أنشدوها بكل الأمل في الخلاص من المستعمر الإنكليزي، والأمل فرح بالحياة ووعد الحياة. واليوم يقولها المصريون بكثير من الكمد والخوف على خراب الأرض، التي كان أسلافهم ـ عبر آلاف السنين ـ يعتقدون أن الدنيا في شرقها والآخرة في غربها، ولا وجود لحياة أولى أو بعث أو خلود خارجها.
يحل مولد السلام هذا العام بعد جريمة التفجير أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة، وبعد كل ما ترتب على الجريمة من مظاهرات الغضب التي اجتاحت مصر؛ الغضب على الدماء المصرية التي أريقت أيقظ كل أسباب الغضب وكل أسباب الخوف على مصر في ظل نظام يمضي من فشل إلى فشل متمترسا خلف الأمن.
صحيح أن التفجير الجبان يمكن أن يحدث في أي مكان ويمكن أن يكون مرتبطا أو غير مرتبط بالخارج، وصحيح أن العمل الانتحاري هو الأصعب في مقاومته، لكن الفتنة واضحة. وعندما امتد العنف الطائفي إلى الإسكندرية منذ سنوات كان ذلك نذيرا بوصول الخطر إلى أقصاه؛ فعندما تتحول المدينة الكوزموبوليتانية ـ التي احتضنت جنسيات وطوائف من كل الأديان ـ إلى أرض للخوف معناه أن الفشل في الملف الطائفي جاوز المدى.
وكثير من الفشل يمكن تداركه: الفقر يمكن علاجه بالتنمية، الأموال المهربة إلى الخارج يمكن استعادتها أو تعويضها، منح ممتلكات الشعب من أراضي البناء والزراعة لحفنة من مليارديرات القصر يمكن استردادها بمحاكمات عادلة أو بالتأميم مرة أخرى، المكانة الإقليمية لمصر يمكن بكثير من التعب إعادتها.
وحده الفشل الأخير هو الأخطر؛ الفشل في تحقيق ولو نصف بشارة المسيح: السلام على أرض مصر.
' ' '
لا يختلف الفشل الأكبر مع الفشل في الملفات الأخرى، كون الإخفاق كله نتيجة طبيعية لحكم مصر يوما بيوم.
و'المياومة' نظـــام بغيض إنسانيا، على مستوى الأعـــمال الدنـــيا والعمالة غير الماهرة التي تعــمل يوما بيوم من دون ضمانة لغد.
'مياومة' حمالي الأثقال وعمال الحفر والردم تختلف عن المياومة فوق سرير الحكم؛ الأولى تهدد العامل نفسه، والثانية تهدد شعبا في وجوده.
لا يملك الحكم رؤية استراتيجية بخصوص ما صار معروفا بـ 'ملف الوحدة الوطنية' أو العكس'الفتنة الطائفية'ولكنه يحكم'بما يبقيه يوما آخر، ويتصرف بالممكن في كل ظرف من ظروف الاحتقان المتصاعد.
يتم تعطيل قانون بناء دور العبادة الموحد عاما بعد الآخر خوفا من ردة فعل تدين الأغلبية المسلمة (المسيس وغير المسيس) يتم السكوت على شكاوى الأقباط من التفرقة في تولي المناصب العليا، يدخل النظام في فخ دس أنفه بأمور الدين عندما يشكو مواطن قبطي متضرر من حظر الزواج للمرة الثانية؛ فيصدر حكم ضد قداسة البابا لإلزامه بمنحه بركة الكنيسة، بينما كان من الطبيعي أن يكون هناك قانون للزواج المدني بين المصريين يلجأ إليه من يريد، ويلتزم من يريد بركة الدين بالرؤية الدينية. وبعد تدخل الدولة في اللاهوت تتنازل للكنيسة في حق من الحقوق المدنية عندما تتركها تعاقب سيدة تحولت إلى الإسلام.
بين النظام والكنيسة العدل ليس مهما، وما لله يمكن أن يُعطى لقيصر، وما للوطن يمكن أن يُنذر لله، طالما بقي النظام موجودا.
' ' '
على مستوى الفصل بين المواطنين والتحكم في اقتصاد البلاد فحدث ولا حرج.
يسكت النظام على شركات توظيف الأموال، التي شقت المصريين على أساس طائفي، بادعائها العمل طبقا للمرابحة الإسلامية، وعندما يجدها خطرا على المستوى الأمني باحتمال تمويل الإرهاب يغلقها بقرار عشوائي يضير المودعين الصغار. وسرعان ما تنتقل جهود تديين الاقتصاد إلى المحال التجارية التي تبيع السلع الرخيصة والدين في'شكل مظاهرة معلنة من التلاوات الصاخبة وجلاليب البائعين القصيرة ولحاهم الطويلة. والمظاهرة نفسها في وسائل النقل الجماعي التي يديرها القطاع الخاص الأدنى ثقافيا واجتماعيا، بعد تدهور وسائل النقل الجماعي المملوكة للدولة. وقد تحول التاكسي والباصات الصغيرة إلى دور إفتاء طائشة تبث سمومها ضد الأقباط وضد المرأة غير المحجبة المجبرة على الاستماع إلى دعاة إلى الله بالتي هي أسوأ إلى حد وصفها بالعهر من شيوخ الفتنة، بينما يلتصق بها متحرش راض عما يسمعه!
أفسد الحكم بالمياومة حتى تدين المصريين وجعله شكليا، وتنازل عن مسؤوليات الدولة إلى المحسنين في إطار مشروعات خيرية تقدم في إطار ديني من جمعيات تتسول للفقراء 'اكفل قرية فقيرة' وهي المرحلة النهائية لفشل الدولة المعلن من قبل في شكل العيادات الطبية في المساجد والكنائس التي حلت محل مستشفيات الدولة الفاشلة.
وكل هذا التخريب بغياب القانون وغياب الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية والاقتصادية تتم تغطيته بالنفاق الديني في موائد إفطار الوحدة الوطنية بالكنائس وبترديد أكبر كذبة في تاريخ اللاتسامح المصري 'عناق المساجد والكنائس' حيث يحلو لمن يريدون التدليل على عمق الوحدة الوطنية أن يشيروا إلى وجود مسجد بجوار كل كنيسة، على الرغم من أن جميع المسلمين والأقباط يعرفون أن هذا التجاور ليس سوى تحرش معماري بغيض، وكان على الدولة أن تضع حدا له بفرض مسافة قانونية لكل دار عبادة لا ينبغي أن تخترقها دار عبادة أخرى. والغريب أن هذا التلاصق أو التواجه ممنوع بين مسجد ومسجد، حيث لا تعتمد وزارة الأوقاف المصرية مسجدين يبتعد أحدهما عن الآخر بأقل من أربعمائة متر!
' ' '
نعرف نحن المصريين الذين لا نرضى أرضا أخرى لعيشنا كل هذا وسنقاومه كما نقاوم كل تقصير وكل فشل وسنردد معا 'على مصر السلام وبناسها المسرة'.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق