أحمد لاشين
إيلاف 3-1-2011
العميان والفيل، حكاية من التراث الإنساني القديم، تجسد وهم الحقيقة المطلقة، مجموعة من العميان يصطدمون بفيل ، ومصادفة يمسك كلاً منهم جزءً مختلفاً من جسده، فيصف الأول ساقه، والثاني أذنيه، والثالث عينيه، وهكذا. . . ، فظن كل واحد منهم أنه يصف الحقيقة، وحينما اختلفوا تقاتلوا، وما زال الصراع قائماً حتى الأن بين العميان ، ولن يدركوا أن الفيل لم يصفه أحد بعد، وأنهم يقتتلون على أوهام خاصة بمجموعة من العميان.
دماء جديدة على أبراج الكنائس تلوث معها ستار الكعبة، أشلاء مسيحية ستتحول إلى بركة مقدسة، وعيون إسلامية تترقب لحظة الغضب، ونظام قابع ينتظر نهاية المأساة الجديدة، محاولاً أن يجد أفضل الصيغ لينفي التهمة عن نفسه، وإعلام غافل عن حقيقة النار التي ساهم في إشعالها لسنوات، فيصدر البيانات التي تبرئ ساحته من الفتن والطائفية. هذه هي تفاصيل المشهد بعد انتحار أحدهم منفجراً أمام كنسية القديسين بالاسكندرية.
يحاول الجميع أن ينفي تهمة الإرهاب عن الإسلام أو المسيحية، وكأن الدين أي دين مجرد فكرة مجردة، بعيدة كل البعد عن أي محاولة للتشويه أو الاستغلال، والحقيقة أن طريقة فهمنا للدين هي المحددة لاستمراره وفاعليته في الحياة، وبالتالي ينقسم الدين الواحد إلى فرق وطوائف وملل ونحل، كلاً منهم يصفه كما يراه، على طريقة العميان والفيل. فسواء كان الحادث إرهابياً أو طائفياً فالنتيجة واحدة، هناك من اقتنع بضرورة أن يضحي بنفسه وبالآخرين ليملأ الأرض عدلاً ، ويُتم كلمة الله بالنيابة عنه، لأنه ومن خلفه يرون أن الحقيقة في فكرة اعتنقوها والتي لن تقبل بوجود الأخر تحت نفس المظلة.
الكل يتصارع على امتلاك السماء، بإهدار دماء الأرض هباءً، فتنقسم المجتمعات داخلياً بعدد الانقسامات الفكرية بين العميان، سنة وشيعة وتفجيرات جند الله في إيران، وأزمات عراقية لا تنتهي، مسلمين وأقباط في مصر، وعمائم سوداء ولحى بيضاء، وصليب دامي، يقسمون غنائم الأوطان محتسين دمائنا في لحظة نصر مجيدة. والسيناريو مُعد مسبقاً، في عيد قديم يعاد استنساخه سنوياً، عاشوراء أو أعياد الميلاد أو أياً كان، يأتي أحدهم مدعياً امتلاك الوهم، ليقتل على قدر استطاعته، فتزداد غنائم جنرالات الحروب المقدسة هناك في الجبال أو على شاشات الفضائيات. والضحية أوطان تتجزأ ، وشعوب تنهار واحداً تلو الأخر، لتكون النهاية مظاهرات و مصادمات داخلية ، وحجارة تلقى على المساجد ونيران على الكنائس، وأنظمة تتخبط، وشماتة متبادلة، وفساد في الأرض.
القضية ليست مجرد حادث إرهابي، يلتف حوله المجتمع بشتى طوائفه وأطيافه على قلب رجل واحد، كما يحدث في المجتمعات الأخرى التي قررت أن تتوحد لصالح مصالحها الخاصة جداً، بعيداً عن أي كونية دينية أو عولمة مقدسة ، فهذا لن يحدث لدينا للأسف الشديد، فنحن ما زلنا نتصارع على الوهم. ولكن القضية أبعد من ذلك وأعمق، فإن كان الحادث إرهابياً كما يزعمون، فلماذا لم يختار أي رمز وطني لينفجر أمامه، مثل المتحف المصري أو برج القاهرة كما كان يحدث سابقاً في مرحلة التسعينيات، رغم الخلفية الدينية التي كانت تغلف تلك المرحلة، ولكنها كانت أكثر تحديداً فالهدف كان انتقامات متبادلة بين النظام والجماعات الدينية، وصراع على امتلاك السلطة أو السطوة على المجتمع. ولكن الأن العنف موجه داخلياً الإرهاب أصبح طائفياً بامتياز، فحتى وإن كان الحادث الأخير إرهابياً فقد استغل البنية الاجتماعية المنقسمة على ذاتها ليحقق وجوده ويفرض سطوته ، فتنغلق الحلقة علينا مسلمين وأقباط، وننسى أن كلانا ضحية طائفية مقيتة ، ثم نطالب الأمن والنظام أن يحمي طائفيتنا نحن حين نتقاتل أو يستغلنا أحدهم ليقتلنا بأيدينا.
نحن لسنا في حاجة إلى حادثة تحكيم جديدة، نحتكم فيها إلى القرآن أو الأناجيل، أو رجال الدينين، ليؤكدوا أن الدين براء ممن يستغله، فهذه قضية جدلية لن تفضي إلى شيء ، ولن نحتاج إلى شيخ أو قسيس يحلف بالثلاثة أن كل الأقباط يأكلون في أطباق المسلمين ، وأن المسلمين يحتفلون بعيد الميلاد المجيد في بيوتهم، فهذه دعاية عبثية، وأننا جميعاً أخوان صديقون، فالأخوة الحقيقية هي شراكة الوطن الذي أصبح شكلاً بلا مضمون خارج إطار التدين الطائفي بين الجانبين، ونظام يحاول أن يُسكّن بلا علاج، فيُتهم بمناصرة الأقباط ضد المسلمين، أو برعاية الإرهاب ضد المسيحيين. ولا أن نفرد الصفحات لمتنصرين أو متأسلمين، المطاردين من قِبّل الكنائس والجماعات والأمن، فكل هذه القضايا أصبح لا طائل من ورائها، فالوطن ينهار بسبب سواد نفوسنا وعمى عيوننا. والمظاهرات والمسيرات والاحتجاجات لهم خير دليل على ذلك. فنحن لم نثر يوماً بسبب الفساد السياسي أو الاقتصادي، ولكننا نهدم ونحرق ونقتل إذا مسنا الضر الطائفي. الحقيقة الوحيدة التي لابد وأن يدركها العميان من الجانبين، أننا تحت عالم واحد ينهار على رؤوسنا، سواء تحت مسمى الإرهاب أو الطائفية، ولا حقيقية أخرى تستدعى الانتباه أو التحقيق، فلا أمل في أمة تنتظر الخلاص من السماء، وهي تقدم نفسها طواعية على مذبح الموت المقدس، فالقتل الموسمي لن ينتهي، والبقية سوف تأتي ، طالما لم نتأكد بعد أننا في حاجة حقيقية أن ننحي كل مآسينا الدينية جانباً، وننصهر في نيران المواطنة ودولة القانون، حتى لا ندنس الستار المقدس أو الأبراج المجيدة.
دماء جديدة على أبراج الكنائس تلوث معها ستار الكعبة، أشلاء مسيحية ستتحول إلى بركة مقدسة، وعيون إسلامية تترقب لحظة الغضب، ونظام قابع ينتظر نهاية المأساة الجديدة، محاولاً أن يجد أفضل الصيغ لينفي التهمة عن نفسه، وإعلام غافل عن حقيقة النار التي ساهم في إشعالها لسنوات، فيصدر البيانات التي تبرئ ساحته من الفتن والطائفية. هذه هي تفاصيل المشهد بعد انتحار أحدهم منفجراً أمام كنسية القديسين بالاسكندرية.
يحاول الجميع أن ينفي تهمة الإرهاب عن الإسلام أو المسيحية، وكأن الدين أي دين مجرد فكرة مجردة، بعيدة كل البعد عن أي محاولة للتشويه أو الاستغلال، والحقيقة أن طريقة فهمنا للدين هي المحددة لاستمراره وفاعليته في الحياة، وبالتالي ينقسم الدين الواحد إلى فرق وطوائف وملل ونحل، كلاً منهم يصفه كما يراه، على طريقة العميان والفيل. فسواء كان الحادث إرهابياً أو طائفياً فالنتيجة واحدة، هناك من اقتنع بضرورة أن يضحي بنفسه وبالآخرين ليملأ الأرض عدلاً ، ويُتم كلمة الله بالنيابة عنه، لأنه ومن خلفه يرون أن الحقيقة في فكرة اعتنقوها والتي لن تقبل بوجود الأخر تحت نفس المظلة.
الكل يتصارع على امتلاك السماء، بإهدار دماء الأرض هباءً، فتنقسم المجتمعات داخلياً بعدد الانقسامات الفكرية بين العميان، سنة وشيعة وتفجيرات جند الله في إيران، وأزمات عراقية لا تنتهي، مسلمين وأقباط في مصر، وعمائم سوداء ولحى بيضاء، وصليب دامي، يقسمون غنائم الأوطان محتسين دمائنا في لحظة نصر مجيدة. والسيناريو مُعد مسبقاً، في عيد قديم يعاد استنساخه سنوياً، عاشوراء أو أعياد الميلاد أو أياً كان، يأتي أحدهم مدعياً امتلاك الوهم، ليقتل على قدر استطاعته، فتزداد غنائم جنرالات الحروب المقدسة هناك في الجبال أو على شاشات الفضائيات. والضحية أوطان تتجزأ ، وشعوب تنهار واحداً تلو الأخر، لتكون النهاية مظاهرات و مصادمات داخلية ، وحجارة تلقى على المساجد ونيران على الكنائس، وأنظمة تتخبط، وشماتة متبادلة، وفساد في الأرض.
القضية ليست مجرد حادث إرهابي، يلتف حوله المجتمع بشتى طوائفه وأطيافه على قلب رجل واحد، كما يحدث في المجتمعات الأخرى التي قررت أن تتوحد لصالح مصالحها الخاصة جداً، بعيداً عن أي كونية دينية أو عولمة مقدسة ، فهذا لن يحدث لدينا للأسف الشديد، فنحن ما زلنا نتصارع على الوهم. ولكن القضية أبعد من ذلك وأعمق، فإن كان الحادث إرهابياً كما يزعمون، فلماذا لم يختار أي رمز وطني لينفجر أمامه، مثل المتحف المصري أو برج القاهرة كما كان يحدث سابقاً في مرحلة التسعينيات، رغم الخلفية الدينية التي كانت تغلف تلك المرحلة، ولكنها كانت أكثر تحديداً فالهدف كان انتقامات متبادلة بين النظام والجماعات الدينية، وصراع على امتلاك السلطة أو السطوة على المجتمع. ولكن الأن العنف موجه داخلياً الإرهاب أصبح طائفياً بامتياز، فحتى وإن كان الحادث الأخير إرهابياً فقد استغل البنية الاجتماعية المنقسمة على ذاتها ليحقق وجوده ويفرض سطوته ، فتنغلق الحلقة علينا مسلمين وأقباط، وننسى أن كلانا ضحية طائفية مقيتة ، ثم نطالب الأمن والنظام أن يحمي طائفيتنا نحن حين نتقاتل أو يستغلنا أحدهم ليقتلنا بأيدينا.
نحن لسنا في حاجة إلى حادثة تحكيم جديدة، نحتكم فيها إلى القرآن أو الأناجيل، أو رجال الدينين، ليؤكدوا أن الدين براء ممن يستغله، فهذه قضية جدلية لن تفضي إلى شيء ، ولن نحتاج إلى شيخ أو قسيس يحلف بالثلاثة أن كل الأقباط يأكلون في أطباق المسلمين ، وأن المسلمين يحتفلون بعيد الميلاد المجيد في بيوتهم، فهذه دعاية عبثية، وأننا جميعاً أخوان صديقون، فالأخوة الحقيقية هي شراكة الوطن الذي أصبح شكلاً بلا مضمون خارج إطار التدين الطائفي بين الجانبين، ونظام يحاول أن يُسكّن بلا علاج، فيُتهم بمناصرة الأقباط ضد المسلمين، أو برعاية الإرهاب ضد المسيحيين. ولا أن نفرد الصفحات لمتنصرين أو متأسلمين، المطاردين من قِبّل الكنائس والجماعات والأمن، فكل هذه القضايا أصبح لا طائل من ورائها، فالوطن ينهار بسبب سواد نفوسنا وعمى عيوننا. والمظاهرات والمسيرات والاحتجاجات لهم خير دليل على ذلك. فنحن لم نثر يوماً بسبب الفساد السياسي أو الاقتصادي، ولكننا نهدم ونحرق ونقتل إذا مسنا الضر الطائفي. الحقيقة الوحيدة التي لابد وأن يدركها العميان من الجانبين، أننا تحت عالم واحد ينهار على رؤوسنا، سواء تحت مسمى الإرهاب أو الطائفية، ولا حقيقية أخرى تستدعى الانتباه أو التحقيق، فلا أمل في أمة تنتظر الخلاص من السماء، وهي تقدم نفسها طواعية على مذبح الموت المقدس، فالقتل الموسمي لن ينتهي، والبقية سوف تأتي ، طالما لم نتأكد بعد أننا في حاجة حقيقية أن ننحي كل مآسينا الدينية جانباً، وننصهر في نيران المواطنة ودولة القانون، حتى لا ندنس الستار المقدس أو الأبراج المجيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق