الاثنين، 3 يناير 2011

محاولة لاغتيال مصر


غسان شربل
الحياة اللندنية 3-1-2011
 تلقى العربي بالخوف والذعر أنباء العملية الإرهابية التي استهدفت الكنيسة القبطية في الإسكندرية. رأى فيها ما هو اخطر من مجزرة عابرة. ادرجها في باب مقدمات الظلام الدامس الذي يحدق بمجتمعاتنا ودولنا. كان من الصعب عليه أن يفصل الجريمة الجديدة عن جرائم سبقتها وتصب في السياق نفسه. برنامج اغتيالات واسع يستهدف فكرة التعايش نفسها. يستهدف العروبة القادرة على احتضان كل مكونات المجتمعات العربية على رغم اختلافاتها الدينية أو المذهبية. يستهدف أيضاً سماحة الإسلام الذي حض على توفير الأمان لمن يعيشون في كنفه.
ومن حق العربي أن يصاب بالذعر. تكفي متابعة الأخبار وما تنقله عن فرار المسيحيين العراقيين من بلدهم على رغم أن جذورهم تمتد في عمق تاريخه. وللأسف فإن برنامج إفراغ العراق من مسيحييه سجل نجاحاً لا يمكن إنكاره. وهذا النجاح بالغ الخطورة على العراق والعرب لأنه يقدم دليلاً ملموساً على تعذر التعايش. وهذا ينذر بجولات جديدة على ارض العراق خصوصاً مع استمرار دعاة الفتنة في التحرك لإيقاظ جمرها كلما خبت نارها. والأكيد أن العدو الإسرائيلي هو المستفيد الأول من إعلان فشل تجربة التعايش بين العرب انفسهم.
ومن حق العربي أن يصاب بالذعر. فقبل انتقال برنامج الاغتيالات إلى الإسكندرية شهدنا تصدع الوحدة الوطنية في اليمن. وشهدنا يقظة خطوط تماس مذهبية في اكثر من دولة في المنطقة. وشهدنا انتكاسة غير مسبوقة في العلاقات السنية -الشيعية في لبنان الذي كان يقدم نفسه سابقاً نموذجاً عربياً للتعايش بين الأديان والمذاهب.
في ظل هذه اللوحة القاتمة جاءت مجزرة الإسكندرية. وهي مختلفة بوسائلها ورسائلها عن المتاعب شبه العادية للتعايش والتي تسجل بين وقت وآخر احتكاكات بين مسلمين وأقباط على ارض مصر. يضاعف من خطورة الحادث الالتفات إلى التهديدات التي وفدت من «القاعدة» في العراق وتناولت أقباط مصر ودور عبادتهم.
يضاعف أيضاً من الخطورة أن المجزرة جاءت قبل أيام من الاستفتاء الذي سيشهده جنوب السودان ويرجح أن يسفر عن قرار بالطلاق مع الشمال. وسيكون إشهار الطلاق في السودان اعترافاً صارخاً بفشل تجربة التعايش هناك. ولا حاجة للتذكير بخصوصية العلاقة المصرية -السودانية ومعنى قيام دولة مستقلة في جنوب السودان سواء بالنسبة إلى التعايش أو مياه النيل.
يضاعف أيضاً من الخطورة بيان جاء من «القاعدة» في غزة امس وفيه :»نوجه رسالتنا في هذا البيان إلى الصليبيين بعامة وإلى من هم في غزة بخاصة بأنهم خرجوا من عقد الذمة مع المسلمين». وندد البيان بإصدار محكمة في غزة حكماً بالإعدام على مواطن مسلم قتل مواطناً مسيحياً. إن منطق التعامل مع جزء من المواطنين كأنهم رهائن أو امتداد للخارج بسبب انتمائهم الديني خطر إذا مورس على ارض فلسطين أو على أي ارض عربية.
لا مبالغة في القول إن المجزرة التي استهدفت المصلين الأقباط في الإسكندرية استهدفت أيضاً كل مسلم في مصر. فالجريمة ليست اقل من محاولة لاغتيال مصر باغتيال وحدتها الوطنية والتعددية الدينية فيها. ولا مبالغة في القول إن أي نجاح لمحاولة الاغتيال هذه يقصم ظهر الأمة ويدفعها سريعاً إلى أنفاق الظلام الدامس. فمصر هي مصر لا يستقيم حال الأمة إن كانت مريضة أو غرقت في بحر التنابذ والكراهية والطلاق بين مكوناتها.
إن محاولة إشعال خطوط تماس بين مكونات الشعب المصري هي استمرار لمحاولة إشعال خطوط التماس في كل الجسد العربي بين الأديان والمذاهب. تحتاج مواجهة هذا البرنامج إلى ما هو اكثر من المواجهة الأمنية. تحتاج إلى جرأة في المواجهة الفكرية والثقافية وإلى بحث جدي في شروط حماية الاستقرار وما يستلزمه في التنمية والسياسة. تحتاج إلى تعاون حقيقي شامل بين الدول العربية لأن الخطر يحدق بالجميع ولأن العاصفة السوداء لن ترحم أحداً إذا نجحت في اغتيال مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق