عمرو حمزاوي
الشروق 9-1-2011
هذه دعوة لنا كمواطنين بعدم إلقاء كامل المسئولية السياسية لتفجير كنيسة القديسين وما سبقه من أعمال عنف ضد الأقباط المصريين على الحكومة وأجهزتها التنفيذية والأمنية. ففى مثل هذه المقاربة تجاهل خطير لمسئولية المجتمع عن تصاعد التحريض الطائفى والتوترات الطائفية خلال الأعوام الأخيرة، وما أدى إليه من تحول البيئة المجتمعية فى مصر إلى بيئة قابلة جزئيا لأعمال العنف ضد الأقباط وغير ممانعة للتمييز ضدهم.
فقد تركنا كمجتمع، والمسئولية تقع هنا بالأساس على عاتق الأغلبية المسلمة، ساحات واسعة خاصة فى مجالات الدعوة الدينية والإعلام التقليدى والحديث لفعل خطابات التحريض الطائفى، وسمحنا لها أن تصيغ قناعات وتفضيلات قطاعات معتبرة من المسلمين المصريين على نحو باعد فى مرحلة أولى بين سياقات حياتهم اليومية وبين سياقات حياة الأقباط وصولا إلى الفصل شبه التام.
ثم وفى مرحلة ثانية، رتبت خطابات التحريض الطائفى هذه بين الكثيرين من المسلمين المصريين تبلور تفضيلا واضحا باتجاه قبول دعوات «مقاطعة الأقباط» والترويج لها (من شاكلة ما شاهدناه العام الماضى فى الإسكندرية وغيرها من المدن المصرية من حملات شعبية رفعت شعار «قاطعوا بضائع النصارى»)، بل وصمتا عدم الاعتراض على أعمال العنف التى ترتكب بحقهم أو التمييز المستمر ضدهم.
هل توقعت الأغلبية المسلمة من الأقباط المصريين، ومع التحريض الطائفى ضدهم ومع كل النواقص الخطيرة الواردة على حرياتهم الدينية وحقوقهم السياسية وأمنهم الشخصى، أن يصبروا صامتين ومحتسبين على معاناتهم دون امتعاض أو رد؟ وهل انتظرت الأغلبية المسلمة أن يمر تحريضها الطائفى دون خطاب طائفى معاكس بدأ فى التبلور بأوساط الأقباط وحرض ضد المسلمين أو «الضيوف المغتصبين» كما يشار إليهم بهذه الأوساط؟ وهل توقعنا كمجتمع أن يمر الانتقاص من المقدسات المسيحية من قبل أشباه الدعاة ومروجى خطابات التحريض دون انتقاص مضاد من المقدسات الإسلامية؟
المؤكد هو أن الأغلبية المسلمة قد فشلت فشلا ذريعا فى الاضطلاع بمهمتها المجتمعية فى الحفاظ على الوحدة الوطنية وتجديد دماء قيم التنوع والتسامح والانفتاح على الآخر القبطى، وفى تحصين البيئة المجتمعية ضد التمييز وأعمال العنف الطائفى، التى باتت خلال الأعوام الأخيرة فى تصاعد مستمر. مثل هذا الوضع الداخلى الخطير لن يتغير للأفضل طالما داومنا نحن على قصر المسئولية عن تفجير كنيسة القديسين وغيره على الحكومة والأجهزة الرسمية وأعفينا المجتمع والأغلبية المسلمة من المسئولية.
كما أن مجرد توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة والدعوة بعمومية بالغة إلى الديمقراطية والإصلاح السياسى كحلول سحرية لكل أزماتنا بما فيها الطائفية، وهو ما ذهبت إليه معظم قوى المعارضة، يدلل على قصور فى الرؤية وخلل فى المقاربة لا يريان بسياقات المجتمع إلا السياسة ولا يلمحان فى خريطة الفاعلين المسئولين إلا الحكومة السلطوية العاجزة.
إلا أن هذه دعوة أيضا للحكومة، أو لنقل للعقلاء داخلها وحولها، للامتناع عن اختزال تفجير كنيسة القديسين إلى مؤامرة خارجية وعمل إرهابى نفذته عناصر إرهابية غير مصرية تجتهد الأجهزة الأمنية اليوم لإلقاء القبض عليها والحيلولة بينها وبين القيام بأعمال عنف جديدة.
فحتى وإن كان التفجير بالفعل من تنفيذ عناصر خارجية (وهو ما لم يتأكد إلى لحظة كتابة هذا المقال) ما كان له أن يحدث أو لغيره من أعمال العنف الطائفى أن تحدث لولا أن البيئة المجتمعية فى مصر، بل والبيئة القانونية والسياسية قابلة لحدوثه. وهنا الخيط الناظم فيما خص ذاك الجزء من المسئولية عن التحريض والعنف الطائفى، الذى تتحمله الحكومة والأجهزة الرسمية.
فالثابت هو أن الحكومة لم تتحرك خلال الأعوام الأخيرة للحد من التمييز القانونى ضد الأقباط والذى يطال حرياتهم الدينية (بناء دور العبادة وصيانتها)، كما أنها لم تقم الكثير للتعقب القضائى الفعال لمرتكبى أعمال العنف ضد الأقباط. كذلك قبلت الحكومة عملا، ودون مبادرات حقيقية للتغيير، تطور بيئة سياسية تتسم بتهميش خطير للأقباط فى المجالس التشريعية والأجهزة الإدارية والتنفيذية، وفى عدد النواب الأقباط المنتخبين بمجلس الشعب الجديد دليل بين على التهميش هذا. بل أن الحكومة وفى ظل محدودية فعلها الهادف إلى الحد من التمييز القانونى والتهميش السياسى للأقباط وغياب المبادرات الجادة، اختزلت التوترات الطائفية وأعمال العنف إلى مكونها الأمنى وحاولت بأدواتها الأمنية المعهودة السيطرة عليها، وكانت النتيجة فشلا ذريعا وتراكما للتمييز ضد الأقباط حولهم عملا إلى مواطنين من الدرجة الثانية.
المسئولية عن العنف الطائفى والتمييز ضد الأقباط هى إذا مسئولية مشتركة بين الأغلبية المسلمة والحكومة، ولن نستطيع القضاء على الأمرين إلا بفعل مباشر ومنظم من قبل الطرفين المجتمعى والحكومى.
على المدى القصير، يمكن للحكومة تغيير البيئة القانونية للأفضل من خلال إصدار قانون عادل وموحد لدور العبادة والتعقب القضائى السريع لمرتكبى أعمال العنف الطائفى، فلم يصدر إلى اليوم حكم قضائى نهائى واحد بشأن أعمال العنف هذه منذ كشح التسعينيات وإلى نجع حمادى مطلع 2010. على المدى القصير، يمكن للأغلبية المسلمة أو لنقل للقطاعات بداخلها التى مازالت محصنة ضد التحريض الطائفى القيام سريعا بمبادرات أهلية تنتصر للأقباط وأمنهم وحرياتهم الدينية.
أما على المدى الطويل، فينبغى على الحكومة التدبر فى السياسات والإجراءات التى لها إن طبقت الحد من التهميش السياسى للأقباط مثل إدخال الكوتا القبطية بالبرلمان والمجالس المحلية. على المدى الطويل أيضا، ليس لنا إلا أن نعول على قدرة الأغلبية المسلمة محاصرة خطابات التحريض الطائفى والابتعاد عنها بتجديد دماء التزامها التسامح والانفتاح على الآخر فى ظل مواطنة مدنية تضمن، نصا وواقعا، الحقوق المتساوية بغض النظر عن الانتماء الدينى. ولا يساورنى أدنى شك بأن الأغلبية المسلمة إن نجحت فى تجديد التزامها بالتسامح والمواطنة المدنية ستجد العدد الأكبر من الأقباط المصريين فى صفها ومعها وأمامها.
فقد تركنا كمجتمع، والمسئولية تقع هنا بالأساس على عاتق الأغلبية المسلمة، ساحات واسعة خاصة فى مجالات الدعوة الدينية والإعلام التقليدى والحديث لفعل خطابات التحريض الطائفى، وسمحنا لها أن تصيغ قناعات وتفضيلات قطاعات معتبرة من المسلمين المصريين على نحو باعد فى مرحلة أولى بين سياقات حياتهم اليومية وبين سياقات حياة الأقباط وصولا إلى الفصل شبه التام.
ثم وفى مرحلة ثانية، رتبت خطابات التحريض الطائفى هذه بين الكثيرين من المسلمين المصريين تبلور تفضيلا واضحا باتجاه قبول دعوات «مقاطعة الأقباط» والترويج لها (من شاكلة ما شاهدناه العام الماضى فى الإسكندرية وغيرها من المدن المصرية من حملات شعبية رفعت شعار «قاطعوا بضائع النصارى»)، بل وصمتا عدم الاعتراض على أعمال العنف التى ترتكب بحقهم أو التمييز المستمر ضدهم.
هل توقعت الأغلبية المسلمة من الأقباط المصريين، ومع التحريض الطائفى ضدهم ومع كل النواقص الخطيرة الواردة على حرياتهم الدينية وحقوقهم السياسية وأمنهم الشخصى، أن يصبروا صامتين ومحتسبين على معاناتهم دون امتعاض أو رد؟ وهل انتظرت الأغلبية المسلمة أن يمر تحريضها الطائفى دون خطاب طائفى معاكس بدأ فى التبلور بأوساط الأقباط وحرض ضد المسلمين أو «الضيوف المغتصبين» كما يشار إليهم بهذه الأوساط؟ وهل توقعنا كمجتمع أن يمر الانتقاص من المقدسات المسيحية من قبل أشباه الدعاة ومروجى خطابات التحريض دون انتقاص مضاد من المقدسات الإسلامية؟
المؤكد هو أن الأغلبية المسلمة قد فشلت فشلا ذريعا فى الاضطلاع بمهمتها المجتمعية فى الحفاظ على الوحدة الوطنية وتجديد دماء قيم التنوع والتسامح والانفتاح على الآخر القبطى، وفى تحصين البيئة المجتمعية ضد التمييز وأعمال العنف الطائفى، التى باتت خلال الأعوام الأخيرة فى تصاعد مستمر. مثل هذا الوضع الداخلى الخطير لن يتغير للأفضل طالما داومنا نحن على قصر المسئولية عن تفجير كنيسة القديسين وغيره على الحكومة والأجهزة الرسمية وأعفينا المجتمع والأغلبية المسلمة من المسئولية.
كما أن مجرد توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة والدعوة بعمومية بالغة إلى الديمقراطية والإصلاح السياسى كحلول سحرية لكل أزماتنا بما فيها الطائفية، وهو ما ذهبت إليه معظم قوى المعارضة، يدلل على قصور فى الرؤية وخلل فى المقاربة لا يريان بسياقات المجتمع إلا السياسة ولا يلمحان فى خريطة الفاعلين المسئولين إلا الحكومة السلطوية العاجزة.
إلا أن هذه دعوة أيضا للحكومة، أو لنقل للعقلاء داخلها وحولها، للامتناع عن اختزال تفجير كنيسة القديسين إلى مؤامرة خارجية وعمل إرهابى نفذته عناصر إرهابية غير مصرية تجتهد الأجهزة الأمنية اليوم لإلقاء القبض عليها والحيلولة بينها وبين القيام بأعمال عنف جديدة.
فحتى وإن كان التفجير بالفعل من تنفيذ عناصر خارجية (وهو ما لم يتأكد إلى لحظة كتابة هذا المقال) ما كان له أن يحدث أو لغيره من أعمال العنف الطائفى أن تحدث لولا أن البيئة المجتمعية فى مصر، بل والبيئة القانونية والسياسية قابلة لحدوثه. وهنا الخيط الناظم فيما خص ذاك الجزء من المسئولية عن التحريض والعنف الطائفى، الذى تتحمله الحكومة والأجهزة الرسمية.
فالثابت هو أن الحكومة لم تتحرك خلال الأعوام الأخيرة للحد من التمييز القانونى ضد الأقباط والذى يطال حرياتهم الدينية (بناء دور العبادة وصيانتها)، كما أنها لم تقم الكثير للتعقب القضائى الفعال لمرتكبى أعمال العنف ضد الأقباط. كذلك قبلت الحكومة عملا، ودون مبادرات حقيقية للتغيير، تطور بيئة سياسية تتسم بتهميش خطير للأقباط فى المجالس التشريعية والأجهزة الإدارية والتنفيذية، وفى عدد النواب الأقباط المنتخبين بمجلس الشعب الجديد دليل بين على التهميش هذا. بل أن الحكومة وفى ظل محدودية فعلها الهادف إلى الحد من التمييز القانونى والتهميش السياسى للأقباط وغياب المبادرات الجادة، اختزلت التوترات الطائفية وأعمال العنف إلى مكونها الأمنى وحاولت بأدواتها الأمنية المعهودة السيطرة عليها، وكانت النتيجة فشلا ذريعا وتراكما للتمييز ضد الأقباط حولهم عملا إلى مواطنين من الدرجة الثانية.
المسئولية عن العنف الطائفى والتمييز ضد الأقباط هى إذا مسئولية مشتركة بين الأغلبية المسلمة والحكومة، ولن نستطيع القضاء على الأمرين إلا بفعل مباشر ومنظم من قبل الطرفين المجتمعى والحكومى.
على المدى القصير، يمكن للحكومة تغيير البيئة القانونية للأفضل من خلال إصدار قانون عادل وموحد لدور العبادة والتعقب القضائى السريع لمرتكبى أعمال العنف الطائفى، فلم يصدر إلى اليوم حكم قضائى نهائى واحد بشأن أعمال العنف هذه منذ كشح التسعينيات وإلى نجع حمادى مطلع 2010. على المدى القصير، يمكن للأغلبية المسلمة أو لنقل للقطاعات بداخلها التى مازالت محصنة ضد التحريض الطائفى القيام سريعا بمبادرات أهلية تنتصر للأقباط وأمنهم وحرياتهم الدينية.
أما على المدى الطويل، فينبغى على الحكومة التدبر فى السياسات والإجراءات التى لها إن طبقت الحد من التهميش السياسى للأقباط مثل إدخال الكوتا القبطية بالبرلمان والمجالس المحلية. على المدى الطويل أيضا، ليس لنا إلا أن نعول على قدرة الأغلبية المسلمة محاصرة خطابات التحريض الطائفى والابتعاد عنها بتجديد دماء التزامها التسامح والانفتاح على الآخر فى ظل مواطنة مدنية تضمن، نصا وواقعا، الحقوق المتساوية بغض النظر عن الانتماء الدينى. ولا يساورنى أدنى شك بأن الأغلبية المسلمة إن نجحت فى تجديد التزامها بالتسامح والمواطنة المدنية ستجد العدد الأكبر من الأقباط المصريين فى صفها ومعها وأمامها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق