بلال فضل
المصري اليوم 3-1-2011
توقفوا عن اللعب بالألفاظ، توقفوا عن الضحك على الذقون، توقفوا عن الكذب، كم عدد الضحايا اللازم لكى تكونوا على قدر المسؤولية وتدركوا أننا أمام مسألة حياة أو موت لهذه البلاد، ولن تزيدها تصريحاتكم البلاغية إلا عكاً وتعقيداً. لا تكذبوا على أنفسكم وعلينا بكلامكم الكبير، مجزرة الإسكندرية كانت موجهة إلى المسيحيين المصريين، ولا تتصوروا أنكم عندما تطلقون تصريحات طنانة رنانة ستخفون تلك الحقيقة المرة، لا تتحججوا بوجود مسجد مواجه للكنيسة لتدعوا أن المجزرة كانت تستهدف المسلمين والمسيحيين، فأنتم تعلمون أنه لا توجد كنيسة فى مصر كلها غير محاطة بمسجد وأكثر، صارحوا أنفسكم ولو لمرة لكى لا تغرق هذه البلاد بنا جميعاً.
كنت قد كتبت مراراً وتكراراً عن دور «اليد الثالثة» فى إشعال الفتنة الطائفية فى مصر، لكننى أعتقد أن هذه المجزرة، أياً كان المستفيد منها أو المخطط لها أو الممول لها، فالذى نفذها على الأغلب شاب يائس يظن أنه يتقرب إلى الله، يريد أن يدخل الجنة لأنه على مدى أشهر متواصلة تعرض لشحن مهول من عشرات الجهات والشخصيات المسلمة والمسيحية كل على طريقته، أصوات تحدثه عن ضرورة التحرك لإنقاذ الأسيرات فى الكنائس، وأصوات تدعى أن الكنائس مليئة بأسلحة مهربة من إسرائيل دون أن يتحرك أحد لمحاسبتها، وأصوات تدعى أن المسلمين ضيوف على مصر وأن «القرآن» محرف، دون أن يتحرك أحد لمحاسبتها ويجبرها على الاعتذار، وأصوات تتحدث فى ميكروفونات المساجد عياناً بياناً عن تحريف الإنجيل ومؤامرات التنصير وتستصرخ الشباب لنصرة الإسلام، كل هذا الخليط من الأصوات المتطرفة كان هو الوقود الذى فجر القنبلة.
أما مكونات القنبلة فلم تكن مسامير ولا باروداً، بل كانت تعليماً منحطاً، وثقافة مشوشة، وتديناً منقوصاً، ووطنية مهزومة، وسلطة مختلة الأولويات، ونفوساً ضائعة مكبوتة الشهوة مقموعة الأحلام منعدمة الخيال. لم يرتكب الجريمة شاب وحيد أو ثلاثة أو أربعة، بل ارتكبها تشكيل عصابى يتزعمه ساسة انشغلوا بمصالحهم الضيقة وكراسيهم ومستقبل أبنائهم، ولذلك سمحوا باستخدام الدين فى لعبة السياسة، وتركوا الكنيسة تتحول إلى دولة للمسيحيين، وسمحوا للمتطرفين المسلمين بأن يعيثوا فى مصر جهلا وتطرفاً، قتلوا السياسة خوفاً على كراسيهم فهرب الناس إلى الدين، احتكروا مباهج الدنيا فلاذ الناس بأحلام الخلاص فى الآخرة، كَرّهوا الناس فى الوطن فبدأوا يهتفون باسم الصليب تارة وباسم القرآن تارة أخرى.
الأخطر من المجزرة هو ما تلاها، أعتقد أن المتآمرين ربما اندهشوا مما حدث، لأن ما حلموا به جاء أسرع مما توقعوه، لعلهم قبل حدوث المجزرة تحسبوا أنها ربما أدت إلى عكس هدفها، فيبادر المسلمون والمسيحيون فور وقوع المجزرة ليتحدوا صفا واحدا وينقذوا بلادهم من الضياع، لكنهم ربما لم يتوقعوا أننا لم نعد شركاء فى الوطن بقدر ما بتنا شركاء فى التخلف، لعلهم اندهشوا وهم يرون كيف جرى المسيحيون الغاضبون إلى المسجد المجاور لينفسوا برعونة عن غضبهم وإحباطهم، لعلهم لم يصدقوا كيف تحول الأمر بسرعة مذهلة إلى معركة بين المسيحيين وقوات الأمن المرتبكة والمسلمين الذين جروا بالشوم لكى يحموا المسجد، كل هذا قبل أن تجف الدماء التى سالت على الأسفلت.
ما أسهل أن نكذب على أنفسنا، ما أسهل أن ندعى أن كل شىء على ما يرام، ما أسهل أن نستسلم لراحة البلاغة الرسمية وخدر الشعارات الشعبية، ما أسهل أن ينشكح المسؤولون لأن كل واحد منهم طلع فى نشرة الأخبار وضرب عيارين استنكار وعاد إلى قصره المنيف مستريحا، لكن ما أصعب أن نتحمل مرارة تنظيف الجراح الملوثة المتعفنة، ما أصعب أن نواجه أنفسنا بالحقيقة المرة أننا لم نعد كما كُنّا، وأن التطرف نخر فى البنية التحتية للمجتمع المصرى، وأن مواجهته أصبحت مسألة حياة أو موت، وأن خلاصنا الوحيد فى التغيير، تغيير أفكارنا المتعصبة ومفاهيمنا البائسة للكون والحياة، والأهم من ذلك كله تغيير ساستنا الفشلة.
رحم الله شهداء الإسكندرية، ويا بخت المستبدين بالإرهابيين، ولا خلاص لمصر إلا بالخلاص من الاثنين.
كنت قد كتبت مراراً وتكراراً عن دور «اليد الثالثة» فى إشعال الفتنة الطائفية فى مصر، لكننى أعتقد أن هذه المجزرة، أياً كان المستفيد منها أو المخطط لها أو الممول لها، فالذى نفذها على الأغلب شاب يائس يظن أنه يتقرب إلى الله، يريد أن يدخل الجنة لأنه على مدى أشهر متواصلة تعرض لشحن مهول من عشرات الجهات والشخصيات المسلمة والمسيحية كل على طريقته، أصوات تحدثه عن ضرورة التحرك لإنقاذ الأسيرات فى الكنائس، وأصوات تدعى أن الكنائس مليئة بأسلحة مهربة من إسرائيل دون أن يتحرك أحد لمحاسبتها، وأصوات تدعى أن المسلمين ضيوف على مصر وأن «القرآن» محرف، دون أن يتحرك أحد لمحاسبتها ويجبرها على الاعتذار، وأصوات تتحدث فى ميكروفونات المساجد عياناً بياناً عن تحريف الإنجيل ومؤامرات التنصير وتستصرخ الشباب لنصرة الإسلام، كل هذا الخليط من الأصوات المتطرفة كان هو الوقود الذى فجر القنبلة.
أما مكونات القنبلة فلم تكن مسامير ولا باروداً، بل كانت تعليماً منحطاً، وثقافة مشوشة، وتديناً منقوصاً، ووطنية مهزومة، وسلطة مختلة الأولويات، ونفوساً ضائعة مكبوتة الشهوة مقموعة الأحلام منعدمة الخيال. لم يرتكب الجريمة شاب وحيد أو ثلاثة أو أربعة، بل ارتكبها تشكيل عصابى يتزعمه ساسة انشغلوا بمصالحهم الضيقة وكراسيهم ومستقبل أبنائهم، ولذلك سمحوا باستخدام الدين فى لعبة السياسة، وتركوا الكنيسة تتحول إلى دولة للمسيحيين، وسمحوا للمتطرفين المسلمين بأن يعيثوا فى مصر جهلا وتطرفاً، قتلوا السياسة خوفاً على كراسيهم فهرب الناس إلى الدين، احتكروا مباهج الدنيا فلاذ الناس بأحلام الخلاص فى الآخرة، كَرّهوا الناس فى الوطن فبدأوا يهتفون باسم الصليب تارة وباسم القرآن تارة أخرى.
الأخطر من المجزرة هو ما تلاها، أعتقد أن المتآمرين ربما اندهشوا مما حدث، لأن ما حلموا به جاء أسرع مما توقعوه، لعلهم قبل حدوث المجزرة تحسبوا أنها ربما أدت إلى عكس هدفها، فيبادر المسلمون والمسيحيون فور وقوع المجزرة ليتحدوا صفا واحدا وينقذوا بلادهم من الضياع، لكنهم ربما لم يتوقعوا أننا لم نعد شركاء فى الوطن بقدر ما بتنا شركاء فى التخلف، لعلهم اندهشوا وهم يرون كيف جرى المسيحيون الغاضبون إلى المسجد المجاور لينفسوا برعونة عن غضبهم وإحباطهم، لعلهم لم يصدقوا كيف تحول الأمر بسرعة مذهلة إلى معركة بين المسيحيين وقوات الأمن المرتبكة والمسلمين الذين جروا بالشوم لكى يحموا المسجد، كل هذا قبل أن تجف الدماء التى سالت على الأسفلت.
ما أسهل أن نكذب على أنفسنا، ما أسهل أن ندعى أن كل شىء على ما يرام، ما أسهل أن نستسلم لراحة البلاغة الرسمية وخدر الشعارات الشعبية، ما أسهل أن ينشكح المسؤولون لأن كل واحد منهم طلع فى نشرة الأخبار وضرب عيارين استنكار وعاد إلى قصره المنيف مستريحا، لكن ما أصعب أن نتحمل مرارة تنظيف الجراح الملوثة المتعفنة، ما أصعب أن نواجه أنفسنا بالحقيقة المرة أننا لم نعد كما كُنّا، وأن التطرف نخر فى البنية التحتية للمجتمع المصرى، وأن مواجهته أصبحت مسألة حياة أو موت، وأن خلاصنا الوحيد فى التغيير، تغيير أفكارنا المتعصبة ومفاهيمنا البائسة للكون والحياة، والأهم من ذلك كله تغيير ساستنا الفشلة.
رحم الله شهداء الإسكندرية، ويا بخت المستبدين بالإرهابيين، ولا خلاص لمصر إلا بالخلاص من الاثنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق