عزت القمحاوي
المصري اليوم 11-1-2011
لن تنتهى قريبًا آثار جريمة الإسكندرية البشعة، لا على صعيد النظرة الدولية لمصر ولا على صعيد الحياة بداخلها، فى خط التحقيقات لكشف أبعاد الجريمة ودوافع مرتكبيها ومخططيها وطبيعة ارتباطاتهم، وعلى صعيد ما خلفته من توجس واستعداد للخوف فى الوجدان المصرى من كل سيارة متوقفة، وعلى صعيد الخلاف على طبيعة ما حدث، وكأنه خلاف على هدف فى مباراة!
سيدوم الخوف من التكرار بأطول مما تدوم الاحتفالات، وقد توقع قداسة البابا شنودة للملف نومًا بعد انتهائها، وحتى لو افترضنا جدلاً إمكانية استمرار حفلات الحداد المختلط بالأفراح، فإنها لن تحل شيئًا.
عطلة عيد الميلاد المجيد وترقيص صور مقدمى برامج «التوك شو» على شاشات القنوات المجمعة فى بث حى من الكاتدرائية ومشاركة المسلمين أعياد إخوتهم الأقباط وتذكير الطرفين بميراث التسامح كلها وقائع مبهجة، لكنها جميعها تأتى تتويجًا للوحدة الوطنية بعد تحقيقها، وليست هى التى ستحقق تلك الوحدة.
وحتى الدعوات العملية للعلاج، الأكثر جدوى وجدية من الاحتفالات مثل تحقيق المساواة فى تولى الوظائف وإقرار قانون موحد لبناء دور العبادة، والحذر من الخلط بين ما لقيصر وما لله عند سن القوانين ومنع التحرش المعمارى بين المساجد والكنائس ومنع بث المواد الدينية فى الأماكن التجارية الخاصة والعامة. كل هذه الدعوات التى يجمع عليها الكثير من الرموز الفكرية لن تحقق وحدها الحل، بل قد يدفع بعضها إلى مزيد من الاحتقان، بدعوى نصرة الدولة لإحدى الطائفتين أو الانصياع للضغوط الدولية، أو غير ذلك من الادعاءات الغبية.
والنظام- مهما قلنا عنه- يحافظ على توازنه حتى اليوم فوق ظهر الأسد الهائج، وهو يعرف كيف يتصرف ليستمر، ويعرف أن أكثر ما يطالب به أصحاب النوايا الطيبة يهدد وجوده وقد يفاقم المشكلات الوطنية نفسها.
الوحدة بين المسلمين والأقباط جزء من قوة أو ضعف البدن المصرى، ولا يمكن علاج الجرح الطائفى الممتلئ صديدًا من دون أن يتزامن ذلك بنهضة عامة تشعر المواطن المصرى بالعزة الوطنية والفخر بمصريته، وتجعله راضيًا عن الأداء السياسى داخليًا وخارجيًا مطمئنًا على كرامته ولقمته وكسوته وعلاجه.
ولن تتحقق الوحدة الوطنية طالما لم يستعد النظام- المتوازن بصعوبة الآن فوق ظهر الأسد- لدفع استحقاقات دولة مواطنة حقيقية يتساوى فيها المسلم والمسيحى، العامل ورجل الأعمال، الخفير واللواء.
ولن تتحقق وحدة كتلك دون دولة تقوم على انتخابات نزيهة تمثل الشارع المصرى وليست كاسحة لقواه بقوة التزوير.
ولن تتحقق دولة كتلك دون حكومة أمينة على الشعب أمينة بتحقيق وحدته، وليست حكومة تسبق الخارجين على القانون فى استئساد مؤسساتها على المواطنين وضرب أحكام القضاء عرض الحائط.
وستبقى كل الدعوات لإنقاذ الوحدة الوطنية جميلة وكلها وصفات معروفة، وسهلة التنفيذ إذا تحقق طلب وحيد يقترب من المعجزة، وهو هبوط سكان الماتريكس الحاكم من الفضاء الخيالى الذى يعيشون فيه إلى أرض مصر، ليصلحوا ما أفسدوا بسوء التدبير والتغول فى الاستئثار بالسلطة والثروة. وأول الحل أن يعترفوا بأن الجريمة الجبانة على بشاعتها لم تكن المحرك الوحيد للغضب، بل المحرك النهائى، بعد أن امتلأت الكأس. ولابد من دفع استحقاق مرحلة يريد فيها الشعب حياة أفضل من هذه، لأنه يستحقها، ولأنها ممكنة. وأول الواقعية أن تعيد السلطة النظر فى قائمة الاتهامات الخيالية التى ألصقتها بثمانية من العماليق فى مظاهرة شبرا، أتلفوا أسطولاً من السيارات واللوريات والرصيف!
ولابد أن للحكومة عيوناً بيننا، ولابد أنها عرفت الآن كم كانت مضحكة فى وقت الغضب بتوجيه الاتهامات لحفنة من النشطاء، وفى يدها أن تتراجع عن النكتة فى المحاكمة التى سيمثلون لها بعد غد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق