الاثنين، 28 مارس 2011

متحف امريكي يؤمر بإعادة قناع اثري مصري

 BBC عربي
18-3
دخلت الحكومة الامريكية في نزاع قضائي بشأن قناع جنائزي مصري آمرة متحف سانت لويس للفنون في ولاية ميسوري بإعادة تلك التحفة الاثرية.
وتطالب مصر باستعادة هذا القناع الاثري الذي يرجع تاريخه إلى حوالي 3200 سنة ويعود لامرأة نبيلة من الاسرة الفرعونية التاسعة عشر وتدعى كا نفير-نفير.
ودفع المتحف مبلغ 500 الف دولار لشراء هذا القناع في عام 1998.
وقد قاضى المتحف الحكومة الامريكية في محاولة لمنع مصادرة القناع المصنوع من الذهب والزجاج والمحفوظ في حالة جيدة للغاية، مشيرا الى أنه ليس لدى الحكومة دليل كاف على ان القناع كان مسروقا.
وترد الحكومة الفيدرالية بأنها "متأكدة" من ان القناع كان مسروقا وقد تتبعت اثره منذ اكتشافه على يد حفار مصري عام 1952.
وتم حفظ القناع في موقعه بسقارة حتى العام 1959، حيث نقل إلى المتحف المصري في القاهرة، قبل أن يختفي ليظهر من جديد في السوق الأمريكية عام 1998 حيث قام متحف سانت لويس بشرائه.
وبدأ المجلس الاعلى للاثار في مصر محاولاته لاستعادة القطعة الأثرية في عام 2006، بعد اكتشاف أنها اشتريت لحساب متحف سانت لويس.
وقال المدعي العام الامريكي ريتشارد كالاهان ان الخلاف كان امرا "مؤسفا" و"سيحل من قبل المحكمة".

الأحد، 20 مارس 2011

زين العابدين فؤاد: ستسقط أشكال كثيرة من الابتذال والسطحية


حوار مع:اسكندر حبش
السفير اللبنانية1مارس
أحيا الشاعر المصري زين العابدين فؤاد، في الثامنة من مساء أمس في مسرح بيروت، أمسية شعرية، قرأ فيها العديد من قصائده القديمة كما الجديدة، والتي دارت غالبيتها حول الثورة المصرية الجديدة. وبمناسبة وجوده في بيروت، كان هذا اللقاء.

لا بدّ للحدث المصري أن يفرض نفسه على بداية هذا اللقاء، كيف عشت وتعيش الذي حدث؟
^ إنه حلم 100 عام، منذ ثورة 19 وحتى الآن. تاريخ ميدان التحرير الذي سمي للمرة الأولى بهذا الاسم في مارس 1919 حين خرجت النساء في أول تظاهرة مع الثورة وارتبط تحرر المرأة بالمكان فسمي ميدان التحرير. هذا الميدان شهد تظاهرات عدة منذ ذلك العام، ثم كانت جنازة الشهيد العظيم عبد الحكم الجراحي في نوفمبر 1935 وغيرها الكثير من التظاهرات والاحتجاجات. إنها ثورة شعب. حيث اختلط صناع الأحلام وكان اللقاء في الميدان كنموذج تكرر في بقية المدن.
المدهش والجميل هو المشهد الحضاري في الميدان، حاولوا طويلا أن يزرعوا على سبيل المثال الفتنة الطائفية أو الاحتقان الطائفي الذي تكرس في كنيسة الإسكندرية. لم يحدث أي احتكاك من أي نوع، سقطت كل الأقنعة الطائفية في شوارع الثورة المصرية. انسحب البوليس، لم يكن هناك حارس واحد على كنيسة واحدة، ولم تضرب أي كنيسة حتى بحجر.
تقول إنها ثورة شعب، لا ثورة شباب، لِمَ؟
^ المفجر هو الشباب لكن الذي أعطى الزخم والذي حولها من مجرد اعتصام إلى ثورة هو الشعب المصري. إذا نظرت إلى الصور الآتية من هناك تجد فلاحين وعمالا ومواطنين من الصعيد، نساء منقبات ومحجبات، فتيات جامعيات سافرات، رجال دين مسيحيين ومسلمين، كل طوائف الشعب كانت ممثلة. إطلاق تسمية ثورة الشباب عليها كانت محاولة لعزلها وضربها. على سبيل المثال، عندما تحدث مبارك وقال إنه يتبنى مطالب الشباب، نسي تماما أن المطلب الأول للثورة أصبح سقوط النظام لا التغيير. لقد تفجرت كل الطاقات الإبداعية للشعب المصري، تعبيرا وتنظيما وتكافؤا، كل الطاقات توهجت في هذه الثورة.
الطائفية
كيف تفسر أن النظام كان يلجأ إلى زرع الكابوس الطائفي في مصر؟
^ صناعة الفتنة الطائفية بدأت في عهد السادات، وكلما مرّ بأزمة كبرى، يلبس الوطن ثوبا طائفيا ويتخذ اجراءات متنوعة، على سبيل المثال، بعد كمب ديفيد مباشرة، ظهرت مسائل الفتنة الطائفية في مصر، صنعها النظام واستخدمها. وعندما اعتقل السادات في 5 سبتمبر 1981 كل معارضي كمب ديفيد قال إنه يتخذ اجراءات احترازية ضد الفتنة الطائفية وغلفها بعزل البابا وحبس عدد من الرموز الدينية وأحدهم بالمناسبة الشيخ المحلاوي، وهذا الشيخ كان خطيبا لمسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية ثم اعتقل في 1981 وعزل تماما عن المسجد حتى قيام الثورة وكان خطيب الإسكندرية الأول. وكان ميدان التحرير في الإسكندرية هو ساحة مسجد القائد ابراهيم. ثم جاء مبارك واستثمر هذا الموضوع. تفجير كنيسة القديسين هو تغطية على جريمة تزوير الانتخابات الأخيرة الفاضحة. النظام دائما يتخذ المسألة هذه كمبرر لممارسة القمع ولتغطية عوراته المختلفة.
كيف ترى إلى المستقبل؟ هل ستعيد الثورة مصر إلى قلب العالم العربي؟ أسأل ذلك وفي بالي فكرة أنه لم تكن هناك من شعارات واضحة حول فلسطين مثلا، وإن كانت هناك فهي لم تخرج في وسائل الإعلام.
^ وصفت التظاهرات مبارك بأنه عميل صهيوني وأن الإشارة الواضحة «تعمل أرنب تعمل ديب/ انت مكانك تل أبيب»، ربطت بينه وبين النظام والصهيوينة مباشرة. إسقاط النظام يعني اسقاط كل ما يمثله هذا النظام. سأقول لك شعارات الثورة: «يا مبارك يا عميل، بعت بلدنا لإسرائيل/ يا مبارك يا عميل، بعت الغاز وباقي النيل». ألا يدل ذلك على التوجه. إذا لم تكن هذه الشعارات واضحة فأنا أحتفظ بها مصورة ومسجلة صوتا وصورة على الفيديو. التركيز كان إسقاط النظام أولا وكانت الحماسة واضحة تجاه ربطه ربط النظام بإسرائيل. عندما طرح اسم عمر سليمان كان الشعار «لا مبارك ولا سليمان، دول عملاء الأميركان». شعارات الناس كانت واضحة جدا. وهذا هو السبب الحقيقي في أن نتنياهو كان شديد الحرص على استمرار مبارك أو سليمان في وضع المسؤولية. فبالتالي الأمر واضح.
الفن والأدب
برأيك كيف ستؤثر الثورة في الخطاب الفني والأدبي؟
^ روح جديدة، إحساس مختلف بالانتماء لدى المواطن العادي فما بالك بالخطاب الفني والأدبي، ستسقط أشكال كثيرة من الابتذال والسطحية، ربما نمر بمرحلة من خطاب الصوت العالي، أي الفن الأقل، ثم بالتأكيد سوف تزدهر كل الفنون والآداب مع إعادة تصحيح التعليم والتربية. لأن فساد التعليم لعب دورا مخربا طوال السنوات الماضية، حتى الصوت العالي، عندما قدم فريق اسكندريلا عرضه الأخير كان الغناء مختلفا، فمثلا كانت بعض الأغاني تتضمن شعارات على النحو التالي: الشعب يريد الورد في البساتين، الورد يريد الشعب في الميادين». وكانت تلقى في أثناء الغناء هذه الشعارات واستقبلت بشكل غير عادي. حلمي كشاعر أن أقرأ أمام جمهور كبير، أو أن يغني أحدهم أغنية لي أمام جمهور واسع. قد قرأت شعري وغنى الجمهور مع حازم شاهين في أغنيتي ولحن الشيخ «مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر» أمام ربع مليون مواطن في ميدان التحرير.
كيف تفسر هذه الذاكرة التي ما زالت موجودة في حين أننا اعتقدنا أنها انتهت بفعل عوامل كثيرة؟
^ هذا ما تراه في الإعلام الرسمي المزيف لكل شيء في الحياة والأخبار والفن والثقافة، في كل شيء. لكن جيوب المقاومة كانت موجودة وبأشكال متعددة لم يتوقف صناع الحلم لحظة عند بذر بذور أحلامهم في التربة المصرية. مجرد أن يسقط الإعلام الرسمي بكل ما يحمله من سواد، فسيسقط معه وجه النظام القبيح تعبيرا وفنا مبتذلا متكلفا ومصنوعا. كانت ابداعات الشعب المصري غناء وشعارات وتمثيلا في الميادين مذهلة. هناك على سبيل المثال المواطن المنوفي يأتي إلى ميدان التحرير ويحمل لافتة يقول فيها إنه من المنوفية – وهي محافظة مبارك والسادات - ليضيف «يا ناس أنا منوفي وجيت أصلح نفسي ومبارك خلعتو. هذا التسجيل كان يوم 1 فبراير. يا ناس قولولي ربنا يقبل توبتي؟ فأجيبه إذا حضرت سبع مرات إلى ميدان التحرير تقبل توبتك.
عندما يطرح في الصحف أن ثروة مبارك وأسرته 70 مليار دولار، تنطلق الأغنية «كان طيار وبقى عندو 70 مليار». لم يتوقف الإبداع لحظة. هل رأيت الأطفال يقودون التظاهرات في التحرير وغيرها من الأماكن؟ هل رأيت حس الفصاحة في الشعارات أن يكتب ارحل بالمقلوب ربما يفهم مبارك؟ هل رأيت شعارات يحمل ترجمة فورية ارحل يعني امشي، يعني ما بيفهمشي. هذا عصر جديد، الطاقات تفجرت بسبب الإحساس العميق بأننا نملك هذا الوطن. هذا وطننا لن يأخذه أحد منا مرة أخرى. هذا هو إحساس كل من نزل إلى الشارع وهذا هو الضمان الحقيقي لاستمرار الثورة. أنا أراهن على الناس. أفنيت عمري أراهن على الناس وقد آن الوقت كي اكسب رهاني. لست وحدي، لكن صناع الأحلام من سيد درويش وحتى آخر شهيد.
تمتد الثورات الشعبية اليوم إلى مختلف العواصم العربية؟ أي حلم لدى زين العابدين فؤاد بهذا الوطن العربي؟
^ أن يبدع كل شعب شكله الخاص بالثورة وأن يعرف كيف يصل بها على نهاياتها. لا يمكن نقل نموذج ما. فالنموذج المصري مثلا اختلف تماما عن النموذج التونسي العظيم، وبين هلالين، كنت سعيدا جدا حين استخدم أصدقائي في تونس أغنيتي «مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر» وحولوها إلى «مين اللي يقدر ساعة يحبس بلدي». الحلم أن تتغير الخارطة العربية من ناحية حقوق الناس وحماية الناس وحقوقها المختلفة وأن يصبح الوطن العربي وطنا ديموقراطيا حقيقيا وعندها سيكف الغرب عن ادعاء أن إسرائيل هي واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط ويرى عندها وجهها القبيح ككيان عنصري.
جديدك اليوم بعد هذه المرحلة التاريخية. هل من أشياء في الأفق؟
^ بالتأكيد لكنها تحتاج إلى وقت للنضج. بالطبع يمكن استخدام قصائد وأغان كتبت من قبل وهذا ما يحدث الآن، إذ هناك العديد من أصدقائي الفنانين يلحنون عددا من قصائدي القديمة لكن أن تنتج فنا يعبر عن هذه المرحلة من الإبداع الجماعي والشعبي المتوهج، بالتأكيد أنت تحتاج إلى كثير من الوقت.

السبت، 19 مارس 2011

استفتاء 19 مارس

وليد طاهر 
جريدة الشروق

البعد الإفتراضي في ثورتي مصر وتونس أبرز المرأة «سايبرأكتفست»

  •  
  • فاديا فهد
  • الحياة اللندنية 18مارس
  • فاجأتني الشبكة العنكبوتية، بمساحاتها الواسعة والحرّة المخصّصة للنساء العربيات وقضاياهنّ وآرائهنّ. ولنقل انها أحرجتني: فما قرأته وشاهدته وسمعته عن المرأة العربية على الإنترنت، تميّز بحرية تعبير أنثوية لم نعتدها في الإعلام العربي التقليدي الذي ما زال يتعامل بتحفّظ مع الكثير من المواضيع الرئيسة المتعلّقة بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، ويضرب أخماساً بأسداس قبل نشر أو بثّ أيّ تحقيق أو مقابلة حقوقية نسائية قد تثير حساسية السلطات على أنواعها. فلقضايا النساء حساسياتها المتجذّرة في ذكورية السياسة والمجتمع و «الإستبلشمنت»، وبالتالي هي تخضع للرقابة نفسها التي تخضع لها القضايا السياسية والإجتماعية والإقتصادية والدينية وغيرها من التابوهات الممنوع تقليب أوراقها. فلا بدّ من أن نسجّل لنساء الـ «ويب» حضورهنّ الحرّ القويّ وجرأتهنّ في التعبير، وهي جرأة نفتقر إليها نحن صحافيات الواقع والورق اللواتي قتلت فينا الرقابة ما قتلت، حتى صارت كلّ منّا كاتبة ورقيبة في الوقت عينه، بعلم منها، أو بغير علم.
ناشطات في الفضاء الرقمي
مع الإنترنت، يختلف الوضع. فهنا لا قوانين تحدّد مشاركة المرأة، ولا كوتا نسائية ولا إجحاف. وقد ساوى الفضاء الإلكتروني بين رجل وامرأة في التعبير والمشاركة، فوجدت النساء فيه متنفّس حرية وفرصة لتحقيق ذواتهنّ. فكانت مدوّنات ومشاركات أنثوية على «فايسبوك» و «تويتر»، ومواقع متخصصة بقضايا النساء، منها راديو «بنات وبس» الذي أسسته الشابة أماني تونسي (25 ربيعاً)، تحت صدمة ما وصفته بـ «سوء معاملة المرأة في مجتمعاتنا العربية»، وحرصت على أن تكون العاملات فيه فقط من النساء.
وجاءت الثورات العربية الأخيرة في مصر وتونس كي تُبرز مناضلات ناشطات على الإنترنت («سايبرأكتفست» Cyber activist) يدعين الى الإنتفاضة على الواقع والمشاركة الفاعلة في الثورة، مسجلات اندفاعاً كبيراً يفوق حماسة الرجال أنفسهم. وسطعت أسماء عديد من الناشطات مثل الشابة المصرية أسماء محفوظ (25 سنة)، قائدة الثورة المصرية كما يطلق عليها، التي كانت دعت في تسجيل على الـ «يوتيوب» الى المشاركة في تظاهرة «25 يناير» ردّاً على مقتل الشاب السكندري خالد سعيد على يد رجال من الشرطة المصرية. وسجّلت فيديو أكدت فيه انها «ليست خائفة وستشارك في التظاهرة رغم الترهيب الأمني». ثم عادت وجدّدت دعوتها الى الثورة والتظاهر مرة أخرى بالصوت والصورة، بعد سقوط النظام وتأخّر رئيس الحكومة المصرية السابق أحمد شفيق في اتخاذ الخطوات المطلوبة للتغيير.
دفعت فاطمة رياحي المعروفة على الشبكة بـ «فاطمة أرابيكا»، السجن ثمن اعتراضها على نتائج انتخابات 2009 التونسية، ولم تستسلم.
وقادت الأستاذة الجامعية التونسية لينا بن مهنّي حملة واسعة ضد نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، فتمّت ملاحقتها ومُنعت من السفر، لكن هذا لم يثنها عن القضية. وكشفت هويتها في مقابلة مع محطة «فرانس 24» الفضائية، معتبرة ان الإختباء لم يعد ينفع، فهي مراقبة وملاحقة من الأجهزة الأمنية. وما زالت مهنّي تناضل من أجل الحريات، حتى بعد سقوط نظام بن علي، وتجمع التواقيع على عريضة ترفض الرقابة على الإنترنت والصحافة.
ويبقى السؤال: هل أثمر نضال هؤلاء الثائرات مزيداً من الحرية لبنات جنسهنّ؟
تشعر النساء المصريات بأنهنّ مبعدات عن بناء مصر الجديدة، خصوصاً ان اللجنة الوطنية المكلّفة وضع دستور جديد كلّها من الرجال، والحكومة الإنتقالية كما المجتمع الدولي لم يلاحظا نضالهنّ الطويل. وقد نظّمن في يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار (مارس) «مليونية نسائية» تطالب بمشاركة المرأة في صوغ مستقبل مصر الدستوري والقانوني والسياسي.
وتشكو التونسيات من المشاركة الخجولة للمرأة في الحكومة الإنتقالية الجديدة، هي التي نالت حصّتها ضرباً وإهانة وعنفاً في الشارع خلال التظاهرات الأخيرة. وتعتبر هؤلاء انه إذا كان بناء الجمهورية التونسية الديموقراطية الحرّة بدأ فعلاً، فيجب ألا يتمّ والنساء مغيّبات ومهمّشات، بل بمشاركة النساء ومعيّتهنّ، حتى بلوغ المساواة الحقيقية والشاملة وتحقيق العدالة الإجتماعية. وأضعف الإيمان أن تكافأ المرأة على نضالها الطويل، بحضور فاعل في الوزارات واللجان المخططة لبناء نظام جديد، لتكون لها مساهماتها في هذا المجال. فالديموقراطية التي يتطلّع إليها شبان وشابات اليوم والتي من أجلها قامت الثورة، هي التي لا تفرق بين امرأة ورجل، ولا بين غنيّ وفقير ولا بين مسؤول ومواطن أعزل. إنها الديموقراطية التي يقف مواطنوها، كلّ مواطنيها من دون استثناء، سواسية في الحقوق والواجبات أمام القانون.
الدعوة الى المساواة والإحترام كانت في صلب إطلاق يوم المرأة العالمي، ولا تزال، بعد مرور قرن كامل. هنا الوقت لم يشفِ، فكم مئة عام تحتاج المرأة في بلادنا بعد، كي تحقّق المساواة مع الرجل؟

من رسوم : ناجي العلي

.
 10-1-86
لم تنشر فى حياته
8-3-86
لم تنشر فى حياته
لم تنشر فى حياته
3-3-84
بقية الرسوم البديعة 
والمقدمة من جريدة الأخبار اللبنانية 
http://www.al-akhbar.com/node/4938

شعوب تقول: نعم ولا ..

سليمان تقي الدين
السفير اللبنانية 19 مارس
تفاوض الدول على دم الشعوب. بعد شهر من جنون الزعيم الليبي يقرّر مجلس الأمن الدولي حظر العمليات الجوية. الشعب منهك ومثخن بالجراح والنظام مثقل بالجرائم وبفقدان الشرعية. هكذا يسهل التدخل الدولي لإيجاد حل يلائم مصالح المتهافتين على ليبيا.
في البحرين المهمة أسهل بوجود وكيل إقليمي يحشد قوات عسكرية في وجه شعب لا يملك إلا الهتاف والرايات. المذبحة هنا عربية خالصة. التحرر العربي يُنحر بأيدٍ عربية، والتاريخ يسجل أن النظام الخليجي يدافع عن ثقافة القرون الوسطى. أنظمة عائلية وراثية تحتكر الثروة وتتعاون على إنشاء قوة قمع وردع ضد كل حراك في سبيل الحرية والكرامة. إذا كان لهذا الحراك بعض الملامح المذهبية فالقسوة في تدميره تحظى بدعم الثقافة المضادة السائدة ومؤسساتها المذهبية التابعة للسلطة. يسهل على الطغيان هنا اتهام «الأقلية» بارتباطها بالخارج. يقف الغرب متفرجاً ليس فقط على قمع التغيير نحو الديموقراطية والحداثة، بل على عنصرية الطرف «الأكثري» الذي يتعامل مع التمايز المذهبي (الثقافي) بالإلغاء.
فكرة المساواة بين البشر، التي هي الأساس في كل التقدم التاريخي، يشوّهها الغرب قبل أن يشوّه الديموقراطية، ويساهم في تصنيف شعوب المنطقة كجماعات ما قبل الشعوب. ينافق الغرب في تعاطيه مع المسألة الديموقراطية، وهو يفضل في كل الأحوال بقاء الاستبداد كحليف استراتيجي له لأنه ركيزة التبعية.
لا شيء يستحق أن نسميه «ثورة مضادة». عائلة حاكمة في البحرين أو ليبيا تستدعي المرتزقة للدفاع عن حكمها أو تستجلب التدخل الخارجي، هذه ظاهرة «حرب مضادة». التدخل الأجنبي هو شكل من أشكال الإدارة الاستعمارية التي تحرّك أداة القمع
العسكرية تجاه ثقافة التحرّر الجديدة التي اجتاحت مزاج شعوب المنطقة كلها.
كل ما يجري الآن في طول المنطقة وعرضها يؤكّد على أن قهر «الأقليات» أو تحكيم الأقليات الأخرى هو أحد تجليات أزمة المشروع العربي الذي اشتغل الغرب على استثماره. حين قرّر الغرب أن يخضع المنطقة مجدداً لسلطته المباشرة واستنفد إمكانات بعض الأنظمة أطلق العنان لدعم حراك الأقليات. وحين صارت أقلية هنا أو هناك عبئاً على مشروعه استدعى لها نظرية الأمن العربي وزاوج بين العروبة وبين الهوية الدينية والمذهبية.
البيئات التي تنكّرت للعروبة طويلاً ترفع رايتها اليوم تجاه هذه أو تلك من الفئات التي تتمرّد على نظام التخاذل والاستبداد. لكن ما يحصل أكبر بكثير من معركة سياسية تنجح هنا وتفشل هناك. ثورة العرب من أجل الحرية تجذرت في وجدان الشعوب. لا يملك القمع في أي مكان أن يغيّر اقتناع الشباب العربي برفض حال التخلّف. يمكن للمناورات السياسية وللضغوط الاقتصادية ولسلطة الإعلام أن تحاصر التداعيات الواسعة لكنها لا تمنعها. كسر الفلسطينيون لعبة الانقسام السياسي وعبروا إلى مطلب الوحدة فوق سلطتي غزة والضفة. لا يستطيع النظام الرسمي العربي أن يعلن وقوفه إلى جانب رؤساء تعرّوا من كل شرعية. مشروع الفتن المذهبية لا يجد أرضاً خصبة لأن الانتفاضات في الشارع أظهرت صورة شعوب لا جماعات دينية أو مذهبية أو إثنية. لا مذهبية في مصر وتونس وليبيا ولا حتى في اليمن. لا قبلية ناشطة في ليبيا برغم الاستنفار الحاد لها. أما لبنان فلكل مذهب سلطته وقوته، ولا شرعية للتحريض على الهيمنة بمنطق النظام الطائفي الجامد الذي يرسم حصص المجموعات ويحفظها. هكذا يتعرّى منطق الفتنة أمام نهضة الشعوب بكل مكوّناتها من أجل مطالب تتعلق بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان. من يحاول تغيير النظام الرسمي العربي ليس فئة أو جماعة حتى بالمفهوم السياسي الحزبي أو الفئوي. تكاد التيارات السياسية تذوب في بحر الجمهور الواسع الذي يدق أبواب التغيير. في الدولة التي تعيش أقسى أشكال احتجاز الحرية وتتحرّك جيوشها لقمع انتفاضة البحرين يخرج من صلبها أحرار يطالبون بالتغيير.
ليس أهل «القطيف» والمنطقة الشرقية من المملكة السعودية، المسماة دولة على اسم أسرتها الحاكمة، من ينتفضون وحدهم، بل أهل الرأي من نخبتها وبعض أفراد العائلة الحاكمة يعترفون أن النظام أصبح خارج التاريخ. ليس الغرب من يحرّك الثورة ولا إيران أو تركيا أو روسيا، وليست الأفكار الهدّامة المستوردة.
مصر أعطت نموذجاً باهراً لائتلاف مكوّناتها السياسية والثقافية في معركة التغيير. الإسلاميون والقوميون واليساريون والليبراليون العلمانيون تصرّفوا على أنهم مروحة واحدة تنفتح على أفق واحد هو سلطة الشعب وإرادته وحريته وكرامة بلاده وعزتها وتقدمها وحقوق مجتمعها. نقلق للدم الغزير الذي سال ويسيل بعناد الحاكم المستبد، لكننا لا نقلق على مستقبل العرب الذين توحدهم كشعوب هذه اليقظة على الحرية.
لا نستسهل مواجهة بهذا الحجم التاريخي يتربص بها أكثر من طرف في الداخل والخارج. تحوير الصراع واستدعاء التدخل الدولي والنزاعات الإقليمية وسلطة المال المدّخر والسلاح المجهّز وثقافة الظلام والتحريض والتشويه واللعب على التعارضات واستحضار التاريخ بفصوله السوداء، كلها عناصر مستنفرة اليوم لوأد هذه النهضة. لكن اللغة الجديدة التي يحكيها الشباب العربي ويقف عندها ويدفع حياته ثمناً لها، لغة نعم ولا، لغة الشروط والمطالب، لغة الحق في الاختيار والقبول والرفض على كل المستويات، لم تعد قابلة للإلغاء.

الأحد، 13 مارس 2011

هنا القاهرة


هنا القاهرة 
الشاعر: سيد حجاب
لحن:عمار الشريعي
غناء: علي الحجار

الدير والتمساحية

عماد الدين حسين 
الشروق 13مارس 
«الدير المحرق» هو آخر وأهم مكان وصلت إليه العائلة المقدسة ــ «السيدة مريم والسيد المسيح عليهما السلام» ــ فى رحلة الفرار من بطش الحاكم الرومانى هيرودس.

عاشت مريم ونبى الله عيسى فى هذا المكان الذى كان يسمى وقتها «جبل قسقام» ستة أشهر وعشرة أيام حتى أطلق عليه البعض «بيت لحم الثانى».

القرية التى يقع فيها الدير لها اسمان الآن هما رزقة الدير أو الزرابى، وتقع على بعد نحو 12 كيلو مترا غرب مركز القوصية فى محافظة أسيوط وغالبية سكانها مسيحيون..

خلف الدير مباشرة تقع مقابر مسلمى قرية التمساحية التى تبعد سبعة كيلو مترات عن الدير شرقا.

بعد صلاة الجمعة الماضى سرت شائعة حقيرة تقول إن أهل التمساحية ينوون بناء مسجد فى مدخل مقابرهم خلف الدير، فتجمع بعض المسيحيين للتعبير عن احتجاجهم، وفى نفس التوقيت كان هناك شخص مجهول وصل إلى التمساحية لإخبار سكانها أن أهل الدير يقومون بهدم مقابرهم.

وكما هو متوقع تجمع معظم شباب القرية وقرروا التوجه إلى الدير.. وفى منتصف المسافة قابلهم احد اعيان قريتهم وأخبرهم أنه لا صحة لهدم المقابر وأعادهم للقرية.

احد هؤلاء الناس ذهب إلى الدير فوجد قوة كبيرة من قوات الأمن جاءت خوفا من تحول هذه الشرارة إلى حريق.

هذا الرجل قال لقائد القوة الأمنية ولبعض سكان الدير: «هل بناء الجامع يتم فى لمح البصر.. ألا يحتاج إلى ترخيص وإلى حفر وأساسات ومواد بناء ومتسع من الوقت». المستعمون اكتشفوا أن المنطق سليم، وأنهم كادوا يرتكبون جريمة فى حق أنفسهم.

ما الذى أوصلنا إلى هذه الحالة؟!.

أعرف القريتين جيدا.. فأنا ولدت وعشت فى التمساحية وأهلى لايزالون هناك وأزورهم بانتظام، كما أننى درست المرحلة الإعدادية بالكامل فى مدرسة الدير المحرق.

فى هذه الأيام الجميلة «1976 1979»، كما نذهب إلى سوق الدير يوم الأحد، وننتظر بفارغ الصبر مولد السيدة العذراء فى شهر يونيو لنلعب ونتسوق، لم نكن نعرف الفرق بين المسلم والمسيحى، وبعض زملائى المسيحيين منذ هذا الزمن لا يزالون من أعز الأصدقاء.

لم يعد سرا أن فلول النظام الساقط يلعبون بورقة الفتنة الطائفية.. أشعلوها فى صول بأطفيح وكادوا يفعلون فى المقطم، ويحاولون استنساخها فى معظم قرى الصعيد حيث الاحتكاك بين المسلمين والمسيحيين.

المشهد فى هذه القرى، ليس مطمئنا، فالنظام الديكتاتورى استثمر 30 عاما هى كل عمره فى إيجاد مناخ من الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين، كى يسهل له السيطرة على الاثنين معا.

فى قرى كثيرة بالصعيد رياح الثورة لم تهب بالقدر الكافى، والتحالف المرعب من فاسدى المحليات ورجال الدين وأجهزة الأمن لايزال قويا، ويلعب بمهارة على المناطق الرخوة فى الجسد الوطنى.

كنت أتحدث مع الباحث المتميز سليمان شفيق ورأيه أنه بدلا من كثرة ترديد مصطلح الثورة المضادة وهى موجودة وليس اختراعا فعلى المثقفين وأنصار الثورة أن يحصنوا الناس فى هذه القرى البعيدة، عليهم أن يعيدوا تأهيلهم إذا لزم الأمر.. حتى لا يتحولوا إلى جنود حقيقيين فى الثورة المضادة، أو حتى ناخبين يعيدون كل رموز الماضى إلى السلطة عبر صناديق الانتخاب.

الثورة نجحت نعم.. لكن طريق البناء طويل.. ويحتاج لمزيد من الصبر والحكمة.. واليقظة
.

ترنيمة : بارك بلادي


آية من القرآن تعانق آية من الكتاب المقدس
على علم مصر
...
ميدان التحرير
أثناء ثورة مصر   

مصر التى نحبها.. ويحاولون تدميرها

المستشار محمود الخضيرى يكتب لـ (الشروق)الأحد 13 مارس 

من يعيش فى ميدان التحرير وفى مصر الثائرة لا يمكن أن يخطر على باله أن هناك فرقا بين مصرى وآخر ولا بين دين ودين، تلاحم لم تشهد مصر مثله فى تاريخها الطويل مع تقديرنا الشديد لما حدث فى ثورة 1919م، الكل كان يشعر بشعور واحد هو الخطر المحدق بمصر من النظام السابق ورموزه التى تعيث فى الأرض فسادا، نجح الشعب فى مدة قصيرة فى خلع رأس النظام وظن البعض أنه بذلك قد قضى على النظام لأنه كما يقولون النظام كان كالثعبان والثعبان يموت من رأسه وما دمنا قد قطعنا رأس الثعبان أى النظام فقد قضينا عليه، ولكن يبدو أن هذا القول لم يكن صحيحا، فإن جسد الثعبان أو النظام كان أخطر من رأسه وأن القضاء عليه سيكون أشد صعوبة من القضاء على رأسه لأنه نظام تغلغل فى كل مؤسسات الدولة وتشعبت جذوره فى الأرض حيث امتدت فيها إلى أعماق بعيدة ستأخذ وقتا طويلا حتى يتم اقتلاعها، وآخر هذه الجذور يتمثل فى ثلاثة أمور أولها الأجهزة الأمنية التى أعطاها النظام السابق من الميزات المادية والسلطات على الشعب حتى ظنت أنها من فصيل آخر غير الشعب وصارت تتيه عليه فخرا وكبرياء حتى تعالت على النظام نفسه كما فعل صلاح نصر رئيس المخابرات العامة فى عهد الرئيس عبد الناصر الذى كان يفاخر بأنه هو الرئيس الحقيقى لمصر حتى تمكن عبدالناصر نفسه من الإطاحة به رغم أنه من المفروض أنه رجله الأول، تضخمت الأجهزة الأمنية وتعالت وأصبحت المتحكمة فى كل شىء حتى حياة الناس الخاصة وصار وزير الداخلية يفاخر بالتجسس على الناس ويجد من أعوان النظام من يعينه على ذلك خوفا وطمعا، جهاز هذا شأنه وتلك مهمته هل يتوقع أن يسلم سلاحه بسهولة رغم رحيل رأس النظام، إنه كان يقول لنفسه نحن الحكام الفعليون لهذا البلد ورحيل رأس النظام لا يمنعنا من البقاء ومحاولة استرداد سطوتنا ونفوذنا لأن القوة بيدنا والسلطة لنا والمستندات بأيدينا، إننا أصحاب الباع الأول فى رسم الخطط والمؤامرات، ونملك القوة على تنفيذها بما تحت أيدينا من قوات وجواسيس وعملاء، هكذا فكرت الأجهزة الأمنية وعلى رأسها بالتأكيد جهاز أمن الدولة، فكان انسحاب رجال الأمن من عملهم وترك البلاد فى فراغ أمنى كان كفيل بالقضاء على الثورة وإجهاضها لأن شعور الناس بعدم الأمن والأمان يضاهى شعورهم بالجوع والعطش، ولكن قدر الله لهذه الخطة أن تفشل وأن يتكاتف الناس لحماية ممتلكاتهم العامة والخاصة وأن تمر هذه الفترة بسلام على مصر وعلى الثورة، لم ييأس شياطين الأمن من إفشال الثورة والانقضاض عليها فكان الاستعانة بالبلطجية وأعوانهم بضرب الثوار والقضاء على الثورة ولكن كان الثوار وكانت الثورة أقوى من أن يقضى عليها عصابة من اللصوص وقطاع الطرق وهم على كثرتهم قلة إلى جوار الشعب كله المتعطش للحرية والديمقراطية المستعد للتضحية من أجلها بكل غال ورخيص وفدائها بحياته ودمه، وفشلت هذه الخطة بدورها، فكانت محاولته الأخيرة بضرب الوحدة الوطنية التى رأى فيها الخطر الأكبر على النظام البائد الذى كان يقوم على نظرية فرق تسد فكان ضرب جميع النقابات والتجمعات وعلى رأس كل ذلك الوحدة الوطنية، لو أن المسلمين كان فى تخطيطهم الاعتداء على الكنائس لما سلمت كنيسة واحدة من الاعتداء فى أوقات الفراغ الأمنى، ولو أن فى مخطط الثوار الاعتداء على المساجد لما بقى مسجد سليما فى وقت الفراغ الأمنى، ولكن شاء الله ألا يمس مسجد ولا كنيسة، ولا حتى معبد يهودى فى هذه الفترة الحساسة من تاريخ مصر، وكان هذا دليل دامغ على أن أحداث الفتنة الطائفية من تفجير للكنائس والمساجد وقتل بعض الأفراد من المسلمين أو المسيحيين هو عمل مدبر من أعوان النظام السابق من مباحث أمن الدولة والحزب الوطنى والمستفيدين من النظام الذين أعياهم القضاء على الثورة بالأساليب السابقة فلجأوا إلى هذا الأسلوب الخسيس المكشوف، هل يتصور أحد أن أعضاء الحزب الوطنى الذى كان يصول ويجول فى مصر بطولها وعرضها يأمر وينهى يمكن أن يرى رموزه داخل السجن ومقاره تلتهمها النار ومستنداته ملقاة فى الطرقات تحترق بما جاء بها. وسكت؟ هل من المتصور أن أى من المستفيدين من النظام يمكن أن يروا مصالحهم تهدد وأموالهم التى جمعوها من حرام يتم الاستيلاء عليها وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين، ويستسلمون بسهولة، إن من توقع ذلك إما أن يكون طيبا أكثر من اللازم أو غير عالم ببواطن الأمور، من الطبيعى أن يحاول هؤلاء العملاء الدفاع عن أنفسهم وعن أموالهم بالقضاء على الثورة والثوار أو على الأقل وضع العراقيل أمامها وإثارة المتاعب لها وللشعب حتى يتعب الشعب ويقول إن الثورة لم تجلب له إلا التعب ويحاول التخلص منها، ولكن هيهات هيهات فإن الشعب الذى عاش ثلاثين عاما فى ظل القهر والظلم والبطش والطغيان لا يمكن أن يفكر فى الخلاص من ثورته التى رفعت رأسه أمام شعوب العالم وجعلت المصرى سيعتز بمصريته كما لم يسبق له الاعتزاز بها فى أى وقت مضى.

إثارة المتاعب للثورة عمل يقوم به أعداؤها من بعض الأجهزة الأمنية التى كانت تعيش فى الماضى معيشة الأثرياء مالا وعزا وسلطة وجاها حتى صارت موضع حسد زملائها من رجال الأمن أنفسهم، إثارة المتاعب للثورة عمل يقوم به الحزب الوطنى نوابه فى المجلس المنحل الذين لم يتمتعوا بالعضوية أكثر من شهر رغم إنفاقهم الملايين من أجل الحصول عليها أملا فى تعويضها من إستغلال النفوذ والرشوة والفساد، هؤلاء النواب هل يمكن أن يستسلموا ببساطة لهذه الخسارة التى لحقت بهم ولا يحاولون تعويضها عن طريق شراء الأصوات فى انتخابات مجلس الشعب القادم وينقضون على الثورة بطريقة ديمقراطية. إن هناك اقتراحا أجد أنه جدير بالدراسة يقول إن تأمين الثورة يوجب أن يحرم أعضاء مجلس الشعب المنحل من الترشح فى أول مجلس شعب قادم تجنبا لمحاولتهم القفز على الثورة وإجهاضها من داخلها وهو ما حدث بعد ثورة يوليو 1952م وهو إجراء مؤقت يقصد به تأمين الثورة من أعدائها حتى تستقر الأوضاع.

أعداء الثورة لم يستسلموا بسهولة لأن ضياع السلطان والمجد والمال لا ينسى ببساطة، ويظل يلح على صاحبه ويدفعه إلى الانتقام متى وجد لذلك سبيلا، وآخر محاولتهم هى إثارة الفتنة الطائفية وهى من أخطر الأمور على الثورة لأنها يمكن أن تؤدى إلى حرب أهلية ــ لا قدر الله ــ وإن كنت أعتقد أن مصر غير مهيأة لذلك لأن فيها من العقلاء والحكماء ما يمكنهم إخماد الفتنة فى مهدها.

لم أكن أتصور أن من بين الاخوة المسيحيين من يمكن أن ينجر إلى هذا المنزلق الصعب ويسير فى هذه التظاهرة التى ترفع الصليب دون أن يكون إلى جواره الهلال رمزا للوحدة الوطنية، ولم أكن أتصور بعد 25 يناير أن هناك من يفكر فى مصلحته الخاصة مجردة عن مصلحة الوطن بصفة عامة، إن من يعيش فى ميدان التحرير ويشاهد مظاهر الوحدة والتلاحم ويد المسيحى تعالج وتحمى المسلم ويد المسلم تحنو على أخيه المسيحى وتحميه لا يمكن أن يفكر أن هناك أى أمر يفرقهم، إن من قام بتدمير الكنيسة ليس مسلما ولا وطنيا بل هو خائن لدينه ووطنه، إن من يرفع شعارا فئويا هذه الأيام ليس مخلصا لمصر مهما كانت حاجته ومهما كان الظلم الواقع عليه.

مصر لنا جميعا وهى أم لنا، والأم لا تستغنى عن أحد أبنائها حتى ولو كان عاقا بها، فيجب علينا أن نتنبه للخطر المحدق بنا، وأن لا نستمع إلى الشائعات التى يحاولون بثها بيننا، وأن نحمى بلدنا من كل ما يراد بها، وأن يكون همنا الأول فى هذه المرحلة أن نبنى بلدنا حتى تكون وطن لنا جميعا يحمينا، وندافع عنه جميعا بكل قوتنا.

الثلاثاء، 8 مارس 2011

جمهورية ميدان التحرير

هذا بيان بدون توقيع تم توزيعه فى ميدان التحرير 25 فبراير 
 
جمهورية ميدان التحرير
أنا واحد من اللي عاشوا فى الميدان ده اسبوعين قبل الزحمة ، ومش عاجبني الخناقة حوالين شكل الدولة اللي عايزين مصر تتحول ليها ..الميدان ده عشت فيه فعلا دولة الاحلام اللي عايز مصر كلها تبقى زيه ..زي جمهورية ميدان التحرير..
فى الميدان ده أن شفت واحدة بشعر طويل وبتشرب سيجارة وجنبها واحد ملتحي بيصلي لا هوه شايفها منحلة ولا هيه شايفاه متشدد متخلف
ماحدش حكم على التاني بشكله وبس
فى الميدان ده فى موقعة الجمل ، شوفت منقبة بتربط رجل واحد متعور وهو واقف قدامها مش لابس بنطلون ، لا هيه قالت دي عورة ولا هوه نظر لها على إنها أنثي وبس ، محدش بص لحكاية راجل وست ولا عمل لها أي إعتبار .
فى الميدان ده شفت واحد كان بيتوضأ واللي بتصب له المية كانت مسيحية ، لا هيه شافت نفسها بتشارك فى حاجة غير عقيدتها ولا هوه شافها بتنقض الوضوء
شفت مسيحيين رغم إن الكنيسة قالت لهم متنزلوش ، شفت سلفيين رغم إن مشايخهم قالوا لهم متنزلوش ، الازهر كمان قال متنزلوش ، شفت بهائيين رغم إن دينهم بيمنعهم من المشاركة فى السياسة خالص ، شفت ملحدين مالهمش دين خالص ..الكل كان مصري وبس وأي حاجة غير الإنتماء لمصر كان بيختفي جوه الميدان ..الكل طلع يقول"لأ" لحاجات كتير مقيدانا وبتحكم قرارتنا مش النظام وبس.
الوضع جوه جمهورية ميدان التحرير كان فيه كل حاجة ، كان فيه سلم وحرب ، كان فيه صلاة وإنشاد وكان فيه غنا ورقص وكان فيه كمان ضحك وتنطيط ..كان فيه حياة ..
نسبة الجريمة فى جمهورية ميدان التحرير كانت صفر ..مفيش حالة تحرش جنسي واحدة ، مفيش حالة سرقة واحدة ..لو حاجة ضاعت منك زعق بس تلاقي الكل بيدور تحته ويبجيهالك
أنا راجل بسيط ، عمري ما اهتميت بالمسميات ولا الشكليات ومش بيهمني اسم ولا شكل النظام اللي عايزينه ..أنا بس باقول إني لما باصرخ " مدنية مدنية " كان فى دماغي نموذج حقيقي صنعناه وعايز مصر كلها تنبقى عليه
نموذج جمهورية ميدان التحرير.

من رسوم :كارلوس لاتوف


كارلوس لاتوف رسام كاريكاتير سياسي، يساري، برازيلي.
سخر ريشته للدفاع عن القضايا العادلة فى كل مكان فى العالم
ولد في ريو دي جانيرو العام .١٩٦٨

جون برادلي:نظام مبارك كان يغذي الفتنة الطائفية

الكاتب البريطانى جون برادلى: تنبأت بالثورة المصرية وجمال نجل الرئيس السابق عجل بنهاية والده.. ونظام مبارك كان يغذى الفتنة الطائفية

 حاورته :هدى زكريا 
اليوم السابع 8 مارس 2011
قال الكاتب البريطانى والمحلل السياسى جون برادلى، إن نظام الرئيس السابق حسنى مبارك كان يغذى الفتنة بين المسلمين والأقباط، مشيرا إلى أن الطرفين كانا يعيشان فى سلام لولا سماح النظام بنشر الفكر الوهابى المتطرف القادم من المملكة العربية السعودية.

وأضاف صاحب كتاب "مصر على حافة ثورة" الممنوع من النشر فى مصر: جمال مبارك السبب الرئيسى وراء تفجير ثورة 25 يناير نتيجة شعور الشعب المصرى بإمكانية انتقال السلطة إليه يوما ما.

وأكد برادلى، على أنه لولا تدخل المنظمات الدولية ووسائل الإعلام الغربية للضغط على الرئيس السابق حسنى مبارك للتنحى، لأباد شعبه بالكامل من أجل البقاء فى السلطة أطول فترة ممكنة.

ويشرح برادلى، تفاصيل ما حدث معه عندما حاول طرح كتابه فى الأسواق المصرية، حيث يرسم السيناريو المتوقع حدوثه فى الدول العربية التى تشهد موجة عارمة من المظاهرات المطالبة بإسقاط الأنظمة الحاكمة، محللا موقف أمريكا وإسرائيل تجاه ما يحدث.. فإلى الحوار:

كيف تنبأت بثورة 25 يناير فى كتابك "مصر على حافة ثورة" وما المؤشرات التى ساهمت فى تنبؤك هذا؟
قضيت فترة طويلة فى مصر بحكم عملى كخبير ومحلل سياسى، ولكن الغريب فى الأمر أننى لم أقض دقيقة واحدة مع الصحفيين الغربيين والخبراء الآخرين، بل على العكس فضلت العيش فى أحد الأحياء الشعبية الفقيرة وتركت زملائى وقررت التقرب من الطبقات الشعبية على مختلف مستوياتها الاجتماعية والثقافية، عندئذ وجدت الفساد يتسرب إلى حياة المواطن المصرى يوميا من كل اتجاه، وشاهدت الرعب والوحشية المتزايدة التى يتبعها النظام الأمنى فى التعامل مع المواطنين وأحسست شعورهم بالغضب بسبب الفجوة الهائلة والمتنامية بين أغنياء هذا الشعب وفقرائه.

وللأسف لم يحاول النظام يوما إصلاح كل هذا، بل زاد من غطرسته ومعاملته القاسية وجشعه، حيث تأكدت أن مبارك بالفعل عجز عن إجراء أى إصلاح ديمقراطى للبلد، واتضح لى أنه يسعى إلى تسليم السلطة لنجله جمال مبارك، وكنت على يقين بأن الشعب لن يقبل هذا، وعندما كتبت عملى "مصر من الداخل .. أرض الفراعنة على حافة ثورة"، عام 2008 كنت على يقين أن هناك شيئا ما سيحدث ويغير الأوضاع تماما.

وأكرر مرة أخرى أننى لست نبيا أتوقع الشىء قبل حدوثه، ولكنه كان شعورا طبيعيا، وصرحت قبل ذلك لإحدى الصحف اليومية المصرية بأن الشعب المصرى لن يقبل بالاستمرار فى سرقة كرامته قبل كل شىء وسيقوم بثورة لاستعادتها مهما كلفه الأمر.

وما الذى حدث عندما حاولت طرح كتابك فى الأسواق المصرية؟ وبما تفسر ذلك؟
اشترت الجامعة الأمريكية بالقاهرة توكيل بيع 50 نسخة من كتابى من ناشرى بنيويورك، وسعدت كثيرا بذلك، ولكننى فوجئت بعدها بأيام قليلة بالناشر يبلغنى أن وزير الإعلام السابق قرر إلغاء التعاقد، ولم يكتف بذلك بل قام بإرسال معاونيه لاقتحام المكتبة ومصادرة عدد قليل جدا من النسخ التى كانت موجودة بالفعل فى المكتبة، وهذا ما أثار غضب العديد من وسائل الإعلام الغربية وبعض الصحف المصرية المعارضة والمستقلة الذين خصصوا صفحات بأكملها للحديث عن أساليب القمع والحظر التى تتبعها السلطات المصرية، ولكن ما لا يعلمه أحد أن هذا الحظر تسبب فى بيع الآف النسخ الإلكترونية من خلال موقع أمازون الشهير، فأصدر بعدها وزير الإعلام بيانا يقول فيه " إنه لم يتم منع الكتاب فى مصر"، وأمر بنشر هذا البيان فى الصفحات الأولى من الصحف التابعة لهم .. ولكن هذا بالطبع كان كذبا واضحا ودليلا على أن النظام المصر كان يخشى من قيام ثورات وانقلاب الشعب ضده فى هذا الوقت.

وما رأيك فى طريقة تعامل السلطات المصرية مع المتظاهرين أثناء الثورة؟
نظام مبارك لم يعرف طوال عقوده سوى لغة العنف مع الشعب، ولولا تدخل المنظمات الدولية ووسائل الإعلام الغربية التى بدورها قامت بالضغط على الرئيس للاستجابة لمطالب الشعب التى تنادى بتنحيه، لأباد مبارك شعبه بالكامل من أجل ضمان البقاء فى السلطة أطول فترة ممكنة، وفى رأيى فإن هذه الثورة نتاج طبيعى لما عاناه الشعب المصرى ونعلم جميعا محاولة النظام السابق قمع الثورة عندما أرسل حلفاءه بالجمال والخيول للاصطدام بالمتظاهرين حتى ينتصر ويستمر فى سرقة ونهب أموال الشعب فكانت محاولاته مجنونة وبعيدة تمام عن اللياقة.
وكيف ترى مستقبل مصر قبل وبعد الثورة؟
من وجهة نظرى الحكم العسكرى فى مصر ولو لفترة قليلة أفضل بكثير، لأننا لم نر على سبيل المثال تعامل الجيش مع المصريين بوحشية، والسؤال هنا هو: لماذا لم تتم محاكمة هؤلاء المسئولين على جرائمهم فى حق الشعب المصرى؟ ولماذا جهاز أمن الدولة مازال قائما؟ يؤسفنى أن أقول إن نظام مبارك مازال ساريا وأن الثورة لم تنجح تماما كما كان مرجوا.

وما تعليقك على ما يحدث الآن فى البلاد العربية وما تشهده من موجات عارمة من الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بإسقاط النظام؟ وكيف ترى موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ما يحدث؟
كانت السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط على مدى نصف قرن تقوم على دعم الحكام العرب المستبدين من أجل الحصول على النفط بأسعار زهيدة، وأيضا لدعم إسرائيل ، ولكن هذه السياسة بدأت تتهاوى منذ مجىء الرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما، ولكن دعينا لأن نقول إن ما حدث فى مصر وتونس وضع أمريكا وإسرائيل فى مأزق حقيقى، ولو افترضنا أن الأوضاع فى البلدين أخذت فى الاستقرار وأصبحت تحت السيطرة فبالتأكيد هذا يرجع لاحتفاظ النخبة القديمة بمقاليد الحكم وتجنبها الوقوع فى عداء مع أمريكا أو إسرائيل. وفيما يتعلق بالدول العربية الأخرى أرى أن دولة مثل اليمن فى طريقها للسقوط وسيتم تقسيمها للشمال والجنوب وكذلك البحرين والسعودية التى تعد دمية فى يد واشنطن.

وستحدث الأزمة فى السعودية مع محاولات الشيعة الاستقلال عن بقية المملكة أو عندما يحاول الليبراليون بمنطقة الحجاز الانفصال، وتطالب أيضا القبائل الجنوبية التى تربطها علاقات وطيدة باليمن بالاستقلال، هذا كله يجعل واشنطن تفقد سيطرتها على العالم العربى، ولذلك أعلنت أمريكا مساندتها للشعب الليبى حتى لو استدعى الأمر أن تتدخل عسكريا بعد 40 عاما من مساندتها للرئيس معمر القذافى فى محاولة منها لتأكيد الإمبريالية الأمريكية، ولكن ما يصيب أمريكا وإسرائيل باليأس هو أن الشارع العربى بأكمله ضد أى هجوم على إيران، بالإضافة إلى شعور إسرائيل أنها تفقد أصدقاءها يوما تلو الآخر.

وما السمات المشتركة بين تلك الدول العربية التى تشهد ثورات متوالية؟
من المدهش أن تبدأ الثورات فى الانطلاق بعد تجربة تونس، خاصة وأننى كنت دائم الظن أن شرارة البدء ستكون من مصر، ولكن فى حقيقة الأمر قبل الثورة لم يكن هناك ألفة كبيرة بين الشعببين التونسى والمصرى، خاصة أن الحبيب بورقيبة كان ضد فكرة العروبة التى طالما نادى بها الرئيس جمال عبد الناصر، وتلمست هذه الضغينة عندما عشت فترة فى تونس وحرصت على الحديث باللغة العربية، ولكن بعد الثورة المصرية والتونسية ساد جو من الحب بين الطرفين غير طبيعى وأصبح عدوهما المشترك هو الحكام المستبدون، وفى القريب العاجل ستزول كافة الحواجز الثقافية واللغوية خاصة وأن هذه الثورات وحدت الشارع العربى.

وكيف ترى وضع الأقباط فى مصر قبل وبعد الثورة؟
فى حقيقة الأمر لم يكن هناك عداء بين المسلمين والأقباط قبل الثورة حتى لو افترضنا أن الأقباط يخشون من وصول الإخوان إلى الحكم، وما حدث بين الطرفين من محاولات لإثارة الفتن، كان بسبب السماح لنشر الفكر الوهابى الذى تمتد جذوره للملكة العربية السعودية، ولذلك يمكننا القول إن نظام مبارك هو الذى غذى تلك الفتنة لأنه سمح بانتشار مثل تلك الأفكار.

البعض ينظر للشباب المصرى على أنه سلبى دائما ومستكين واندهش كثيرون عندما وجدوا أن هؤلاء الشباب هم من قاموا بتفجير الثورة.. فما تعليقك؟
من الغباء أن نعمم الأحكام على الأشياء، فجميع الفئات تتسم بالتنوع والاختلاف، وحتى الشباب المصرى الثورى فيه من يفضل مشاهدة الجزيرة والقراءة وفيه من يفضل مشاهدة الأفلام الإباحية وفيه من هو شديد التدين والالتزام وهكذا، والسبب فى نشر هذه الصورة النمطية هى وسائل الإعلام التى تقدم أعمالا "غبية وتافهة" تقتصر على حياة الرفاهية التى يعيشها أولاد الطبقة الغنية وتتجاهل تماما النماذج الأخرى حتى جاءت الثورة وحطمت كل هذه الأفكار.

إلى مسيحيي مصر




الرسام :كارلوس لاتوف *

 
بقلم :عمرو حمزاوي 
الشروق 8 مارس 2011

هذه دعوة للمصريات المسيحيات والمصريين المسيحيين للمشاركة بفاعلية ودون خوف فى صناعة مستقبل مصر، دولة ومجتمعا وحياة سياسية. شاركت الملايين فى الثورة العظيمة وشارك بها المصريون المسيحيون منذ اللحظة الأولى شأنهم فى ذلك شأن المسلمين. واليوم، ونحن نجتهد لدفع مصر نحو مسار تحول ديمقراطى آمن، يتعين على المواطنين جميعا المشاركة والعمل بطرق مختلفة كى نضمن أن تكون مصر الديمقراطية والعادلة ديمقراطية وعادلة لكل مواطنيها.

أكتب هذا بعد نقاشات عميقة مع مصريين مسيحيين خلقت لدىّ انطباعا مؤداه أن القلق من اللحظة الراهنة ربما كان أقوى تأثيرا عليهم إذا ما قورن بالتفاؤل الشعبى العام بالجديد القادم. ووراء ذلك مخاوف مشروعة لا بد من تناولها وتفكيكها للحيلولة دون أن يؤدى قلق المصريين المسيحيين إلى انسحابهم من الحياة العامة والسياسية وعودة السلبية، التى صبغت مواقف الكثير منهم خلال السنوات الماضية.

هناك الخوف المشروع من إمكانية أن تسيطر على الحياة السياسية والعامة فى مصر توجهات وفصائل إسلامية تقصى فى أسوأ الأحوال وتهمش فى أحسنها المسيحيين وتعاملهم باسم ديكتاتورية الأغلبية كمواطنين درجة ثانية. هناك أيضا الخوف من أن يتم، فى لحظة السيولة الراهنة بكل تحدياتها، تجاهل المظالم التى تعرض وما زال يتعرض لها المصريون المسيحيون إن فى ما خص الحريات الدينية أو تمثيلهم والتعبير عن مطالبهم ومصالحهم على نحو متوازن فى الحياة العامة والمؤسسات الرسمية أو تعامل الدولة باستهتار شديد مع أعمال العنف الطائفى التى ارتكبت بحقهم خلال السنوات الماضية.

هذه المخاوف مشروعة، وأشعر شخصيا بمدى وطأتها على المصريين المسيحيين. إلا أن التعاطى معها بصيغة «الابتعاد والانسحاب أفضل» المعهودة سيكون خطأ كارثيا علينا ألا نسمح به. مصر وطن المسيحيين كالمسلمين، وأزعم أن هناك أغلبية واضحة تؤمن بمواطنية الحقوق المتساوية وعازمة على إنهاء المظالم الدينية والاجتماعية والسياسية، التى يعانى منها المسيحيون والحيلولة دون ديكتاتورية الأغلبية. مثل هذه الحالة المجتمعية الرائعة، التى دللت عليها الثورة العظيمة تمكن المصريين المسيحيين من المشاركة بفاعلية ودون تحفظات وبصياغات مختلفة فى الحياة السياسية والعامة.

لنا جميعا مطالب عامة تتعلق بصناعة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وضمان الحريات، وللمصريين المسيحيين مطلبية خاصة ترتبط بمظالمهم. دعونا نلتزم بالمطلبية العامة ونتضامن مع المواطنات المسيحيات والمواطنين المسيحيين فى مطلبيتهم الخاصة بصورة علنية وجريئة. لا أقبل كمواطن أن تتعرض الكنائس أو المؤسسات الدينية المسيحية، وبغض النظر عن الأسباب والخلفيات، لأى اعتداءات. لا أقبل أيضا كمواطن أن يستمر الانتقاص من الحريات الدينية للمسيحيين أو أن يتم التعاطى مع حقهم فى ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وفى أمان تام بالصيغ التسويفية المعهودة. لا أقبل كمواطن أن يجرم فى النقاش العام الاحتجاج الجماعى والعلنى من مسيحيين على خلفية المظالم، التى يعانون منها. وفى نفس الوقت لا أقبل كمواطن أن ينزع بعض المسيحين للانسحاب من الحياة العامة والسياسية لخوفهم من لحظة السيولة الراهنة، كما لا أقبل أن تذهب طاقة التغيير والمشاركة لدى بعضهم باتجاه تكوين أحزاب دينية تتبنى قضاياهم فقط.

فالمساواة الكاملة بين المواطنية والمشاركة الشعبية المتخطية للحواجز الدينية هما مدخلان رئيسيان لصناعة مصر الديمقراطية والعادلة.

الاثنين، 7 مارس 2011

استراتيجية الانتقال فى لحظات الحيرة الثورية

عبده برماوي
 
لقد فشلوا فى قتل ثورتنا بقوتهم، لكنهم قد ينجحوا - لا قدر الله - بالحيلة وبث الخوف وعدم الثقة فى النفوس. ولا مخرج من هذه الورطة سوى باستراتيجية واضحة للانتقال الثورى، تكون فيها الغايات أكثر وضوحا فى توجيهها للسلوك من الرغبات فى الانتقام التى باتت تسيطر على عقول البعض من الثوار. ودون النزوع لتبرير الأخطاء، اردد ما يعرفه القاصى والدانى من أن الفساد فى العقود الطوال التى حكم فيها مبارك قد بلغ مستويات غير مسبوقه،  حتى تلوث به الكثيرون. أى أننا اليوم نقف أمام قطاع عريض من الناس اقتربوا من دوائر القرار والإدارة خلال عصر مبارك، وكانوا جزء من شبكة عريضة استخدمتها عصابة الحكم لتسهيل نهشها لموارد البلاد. كانت "سياسة تعميم الفساد" فى دوائر السلطة والحكم والقرار هى السبيل المعتمد والقانون المهيمن لنظام مبارك الذى ضمن وصول الجزء الأكبر من نواتج الفساد لهذه العصابة . وهذا القطاع العريض من المصريين المتعاونين كانوا على شقين، فيهم الطامعين فى التحصيل السهل لفتات فساد الكبار ممن يخدمونهم، واستمرأوا إياه باعتباره القانون الواضح لتوزيع الثروة فى البلاد، وفيهم المضطرين المغلوبين ممن يعملون فى مؤسسات يعلمون يقينا أن وجودهم في مستوياتها العليا متوقف على ابداء ولاء واضح لمبارك، وقبول بقانونه. هذا القطاع العريض ممن تلوثوا، يضعنا أمام تحدى آنى يجب النظر فيه بحكمة. 

المتحمسين يرون مدخل التطهير الكامل والشامل والآنى حلاً ثورياً، وهو فهم ملتبس للثورة فى ظنى ومدخل - رغم إثارته الثورية وتوقع سرعة انجازه لهدف ابعاد عناصر الفساد- ينطوى فى ظنى على مخاطر تهدد اكتمال الثورة ذاتها.

نعم وبحسم أقول التطهير مهم، لكن وبحسم أيضا أقول أن التطهير عملية دقيقة، تعوزها استراتيجية اخرى غير المتبعة حاليا من الهجوم على القيادات، والتجريس بالشبهة، وبلا دليل قاطع، وممارسة العنف ضد كل من يقف فى مستويات قيادية، والسعى لابعادهم. هذه استراتيجية عاطفية نزقة لا تصلح لاحداث التغيير الثورى، وتتجاهل ضرورة استعادة هيبة القانون وحكمه، كهدف من اهداف الثورة، يمايزها عما كان يجرى فى عصر مبارك. ويتجاهل هذا المدخل أيضاً ما اسلفت فى ذكره من حقائق ممارسة الفساد فى عصر مبارك، الذى كان يجرى عبر شبكات، وليس عبر فرد واحد، أو قلة معدودة. ولو سلمنا بحقيقة ضخامة عدد الموروطين فى هذا التنظيم الشبكى للفساد، فهل نقبل باتساع رقعة المواجهة مع من نحسبهم فاسدين فى كل مؤسسة. بهذا نضع أنفسنا أمام ما يشبه حرب باردة داخلية فى كل المؤسسات، مواجهات وبث لعدم الثقة ستعرقلها وربما تدمرها. وليس من الحكمة فى شئ أن نهدم المؤسسات وعلينا أن نفهم سنن التطهير والإصلاح ما بعد الثورة.

أكرر أنه لابد كهدف عام أن نعيد بناء المؤسسات بفرض نظم للرقابة ومكافحة الفساد، واعمال ادوات الرقابة الشعبية. وهذا هدف لا خلاف عليه. لكن لا تكفى استراتيجية الاحتجاج، ولا الاحالة للنيابة العامة لتنفيذه. إن قتل وحش الفساد، ومحو جرثومته، وايجاد ضمانات لعدم عودة الفساد باسماء ووجوه اخرى، يقتضى منا وضع عملية متكاملة - إن فهمنا الطابع الشبكى للفساد والآثار التى تولدت عن قوانين تعميم الفساد فى عصر مبارك - لتفكيك البنية التحتية للفساد، واعتماد آلية ثلاثية لكشف الحقيقة ورد الحقوق والتسامح.

لابد من استهداف رؤوس الفساد الكبيرة بالعقاب، بحسم وسرعة، باعتبارهم مسؤولون مباشرة عن تركيب وادارة وتحصيل عوائد شبكات الفساد. أما فى المستويات الأدنى (الشبكية) لابد من استراتيجية أكثر تعقداً، قوامها الفرز، ورد الحقوق والتوبة والعفو، بحيث يستفيد منها هذا القطاع الأعرض ممن مالئوا آليات الفساد فى العهد السابق، مضطرين او طامعين. وهذا النهج التصالحى من نتاجه التخلص من العناصر الابرز فى ممارسة الفساد، وإعادة تحصين من تلوثوا باثار فسادهم، واستعادة مفهوم حكم القانون داخل المؤسسات وتقوية بنائه. . 

هذا المدخل لا يحافظ فقط على القوى البشرية القيادية للمؤسسات، بل يتيح أيضاَ فرصاً للتوبة والتحول الإيجابى، وهى نافذة لا يجب على ثورة قوية غلقها، اغترارا بأوهام الطهر الثورى وقوة الجماهير. ولعل التوعية فى هذا الأمر من الأهمية والضرورة، انطلاقاً من أن الحفاظ على المؤسسات فى مرحلة تحول يجب أى رغبة - قد تثير عواطف الجماهير - فى الانتقام، ولابد من الابتعاد عنه لصالح مفهوم الاصلاح واعادة الدفة المؤسسية وتوجيهها الوجهة الثورية الصحيحة

لن يمكننا إعادة الثقة فى المؤسسات وطى صفحة عصر مبارك بغير هذه الروح، وفهم أولوية وجود منظومة بها توافق على الأهداف الثورية لانجاز التغيير الذى نتوخاه. أخشى اننا فى حمى الهدم لنظام مبارك، نهدر بأيدينا اللبنات الجيدة ذاتها التى يمكننا أن ندمجها فى البناء الجديد. ودعونى أقولها بصراحة، إن كل قول بأننا يجب أن نبدأ "على نظيف" هو قول مثالى وغير واقعى، ومن مخاطره مد أمد التغيير بما يوقعنا فى حالة من الملل وفقدان الناس لإيمانهم بضرورة الثورة. إن إدارة التغيير الانتقالى فن ينجح فيه من يتمتعون بحساسية الحركة، وبفهم متعمق لسيكولوجية الناس فى لحظة العبور نحو الجديد. لابد من تمتعنا بهذه القدرة على التواصل مع الناس والحفاظ على معدل الايمان الثورى عند معدلاته حتى لا تجهض الثورة من داخلها.

مثال تطبيقى مهم

ودعونا نناقش هنا مثالاً واضحاً وحاراً ربما يستجلى الفكرة ويرشد لآلية مقترحة.

لا يمكننا انكار ان التحدى الأكبر الآن هو استعادة مؤسسات القانون لتكون سنداً للثورة، وأمامنا هنا جهاز الشرطة، وما يمثله قعوده وخوفه، وتملك الشعور بعدم الثقة فى الذات وفى الجماهير من الكثيرين من أفراده من تحدى سيكون من نواتجه فقدان الأمن فى كل مكان.

وهو جهاز نعلم يقينا أن بداخله عناصر أدارت آلية القهر والفساد فى هذا البلد ولا مناص من استئصال شأفتها وتطهير المؤسسة الشرطية منها. وهذا لن يتم باحتجاجات وممارسة العداء مع أفراد الشرطة، ممن نحتاج لجهد الشرفاء منهم الآن لتقليل هواجس الخوف وعدم الشعور بالأمان فى هذا البلد.

ولا يخفى على أعمى، أن عناصر الفساد (وهم منطلقين فى حالة سعار يحاربون معركتهم الأخيرة وهم يرون ركام ما نهبوه يضيع من بين أيديهم) يراهنون الآن على تمرد شرطى كبير لصالحهم، يظنونه يعيد إليهم المجد التالد، منطلقين من إيمان بأن أحلام الحرية التى يحملها الثوار ستسقط حتما تحت واقع الخوف والافتقاد للأمان. وخير سبيل لمواجهة هذه الأوهام التى تغذيهم، أن نستعيد سريعا المؤسسة الشرطية، ونقول لهم أنها لن تكون خصما من الثورة، بل هى جزء من حماتها، مثلها مثل الجيش، وتحدى الزمن هنا عامل حاسم، ولابد ألا نتباطأ

الباب الذى اقترحه هنا هنا لاحداث هذا التوازن بين الرغبة فى تطهير جهاز الشرطة، واستعادة دوره المؤسسى، هو قيام المجلس العسكرى سريعا بتشكيل لجنة/لجان للحقيقة والمصالحة فى هذه المؤسسة (تضم قيادات شرطية نزيهة حالية وسابقة، وحقوقيون، وقضاة متفرغون وممثلين لشباب الثوار، ومتخصصون). لجان يمنحها المجتمع ثقته، ويبعدها عن التأثر بموجات الرأى العام غير المستقرة، وتكون مهمتها هى فرز الوثائق التى تكشف حجم الفساد والممارسات الاجرامية للنظام السابق، وتحدد من هم الموروطين فيها مباشرة، وتستبعد من لم يكن لهم يد فى حدوثها او اجبروا على الانخراط فيها تحت وطأة الطابع القهرى والاستبدادى لبناء هذه المؤسسة، وتعيد إليهم الثقة.

وهى فى أعمالها تضرب إطارا من السرية على مداولاتها ثم تفضه وتكشفه فور تمام التحقيق وثبوت الادانة بحق المتورطين. ويوازى عملها عملية بناء مؤسسى قوية، على مستوى البنية والهياكل وقواعد العمل المهنية، وتفعيل الالزام القانونى، والتخطيط الجيد، وإعادة التأهيل للافراد، وتقييمهم وفق معايير مهنية تستلهم قيم الثورة وحكم القانون، وبهذا تلم شتات المؤسسة، ونزرع الثقة الشعبية فيها مرة أخرى عبر برامج تواصل بين المجتمع والشرطة، تقوم على التعاون فى استعادة النظام وهيبة القانون فى الشوارع، والأحياء والمؤسسات، لصالح المواطن، وللقضاء على فلول البلطجية والمجرمين والخارجين على القانون ممن ترعرعوا فى عهد النظام السابق

..............................
عود على بدء

ما أثارنى لكتابة هذا المقال هو ما أشارت إليه وثائق أمن الدولة المنشورة بوضوح من تركيبة شبكية معقدة للفساد، وكيف تبنى نظام مبارك عبر أجهزة القهر والتحكم آليات قسرية لمراقبة المجتمع، والتأثير فى القرار ، واعتماده لآليات استبعاد واق...صاء عنيفة لغير المتعاونين. هل علينا الظن بإن كثيرين ممن نعتبرهم فاسدين، فى حكم المضطر، ولم يكونوا إلا ممالئين أو صامتين، فى صورة من صور القهر، توازى فى نواتجها القهر المباشر. كان هناك مستويات القرار مقهورون يا سادة. ولا يجب الاستمرار فى قهرهم، وباب التسامح معهم، وسياسة "عفا الله عما سلف" قد يكون من نواتجها أن نكسب زخما من البشر الجيدين - ممن لهم اخطاء يريدون التطهر منها - يرفدون المد الثورى المبتغى. ألستم معى فى انه من الخطأ غلق الأبواب أمام استعادة الكثيرين لدوائر التطهر الوطنى

أعلم ان هذا الطرح ينطوى على احتمال تسرب عناصر فاسدة دون محاكمة، واعلم فى الوقت ذاته ان نزعة الانتقام الواسعة قد تؤدى لأخذ أبرياء كثيرين بالشبهة. ولابد من ايجاد توازن بين هذا الاحتمال، وذاك. وليكن هادينا هو مصلحة مؤسساتنا وعافيتها. والتعامل لتنظيف هذه المؤسسات من الفساد عامل حسمه القوى هو أن نخلق داخل كل مؤسسة فصيل ثورى، مؤمن بالثورة، وقادر على الزام قيادات المؤسسات بمبادئها واهدافها. وهذا الامر ينطبق على الجيش وعلى القضاء وعلى الشرطة وعلى الاحزاب .. يدعم ذلك خط ثان من الرقابة الشعبية للثوار، التى يمكن تحويلها لمؤسسات مدنية (مثل مجالس الحكماء، وغيرها) للتأكد من صحة حركة المؤسسات..
 عبده برماوي
المصدر:  الفيس بوك