الاثنين، 3 يناير 2011

ليسوا مصريين ولا مسلمين !

الشروق 3-1-2011
 أن تقع تلك المجزرة الشنعاء بحق الإخوة المسيحيين وهم على أبواب كنيسة القديسين بالإسكندرية بعد أن أدوا صلاة قداس عيد الميلاد ليلة رأس السنة، إنما يقطع بأن مرتكبى الجريمة المروعة ليسوا مصريين ولا مسلمين ولا ينتمون لأى جنس أو دين. لأنهم بتلك الجريمة لا يفجرون صفوف الشعب المصرى فحسب ولكنهم أيضا يستنزلون اللعنات على الذين يشوهون مبادئ التسامح والأخوة فى كل العقائد السماوية بما فيها الإسلام.


تبدو هذه الجريمة الإرهابية التى اختير توقيتها فى لحظات السكينة والدعاء بالأمل فى عام جديد، يخلو من الكوارث والحروب ويسوده السلام على الأرض والمحبة بين الناس، وكأنها رسالة تنذر بشرور جسيمة وتوحى بأن الذين أضمروا الشر والعدوان سوف يواصلون شرهم وعدوانهم لتمزيق الأمة وإضعافها لحساب أعداء يريدون إنزال الضرر بمصر عن طريق إثارة الكراهية ضد المسلمين أنفسهم. والتفرقة بينهم وبين إخوانهم المسيحيين.


والحاصل أن لهذا الحادث سوابق لا تجدها إلا فى المشرق العربى من خلال حملات الاعتداء المنظمة على بيوت المسيحيين العراقيين وكنائسهم، التى بدأت بتفجير كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك فى أكتوبر الماضى وأسفرت عن مقتل 44 مصليا وكاهنين. وما تلاها بعد ذلك من اعتداءات على منازل أسر مسيحية فى مناطق متفرقة من بغداد، جاءت امتدادا لهجمات مماثلة تعرض لها المسيحيون فى العراق قبل عامين.. أخذت شكلا منظما ونسبته حكومة العراق إلى تنظيم القاعدة.


وليس معروفا حتى الآن ما هى حقيقة تنظيم القاعدة فى العراق وكيف أمكنه أن يعشش بخلاياه فى ظل السيطرة شبه الكاملة للقوات الأمريكية على كل دبة نملة فى العراق طوال السنوات الخمس الماضية. غير أن الاتهامات توجه أيضا إلى بعض الفصائل وشخصيات سياسية فى العراق بالقيام بحملات ضد المسيحيين لإرغامهم على الهرب وترك ممتلكاتهم.


يتبادر إلى الذهن ما يجرى فى العراق بعد الأنباء التى ترددت عن تهديدات مصدرها تنظيم القاعدة إلى الكنائس المصرية للإفراج عن سيدتين احتجزتهما الكنيسة لقضايا تتعلق باعتناق الإسلام.


وسواء كانت هناك أصابع أجنبية أو لم تكن ــ وهى حجة تتردد دائما فى مثل هذه الظروف ــ فالثابت أن الجهود السطحية التى تبذل واللقاءات الودية التى تعقد بين القيادات الإسلامية والمسيحية لا تصل إلى لب المشكلة، ولا تقدم حلولا ناجعة ولا تخفف حدة الاستقطاب والتوتر بين العناصر المتطرفة والمتعصبة فى الطرفين. ولعل الوصول إلى هذه العناصر والتعامل معها هو لب المشكلة وهو مسئولية القيادات الدينية من الجانبين، ومسئولية المجتمع والمدرسة والمسجد ومختلف المؤسسات الاجتماعية!


أن تصل الأمور إلى حد تدبير عملية انتحارية ضد الكنائس معناه أن بابا جديدا من الإرهاب قد فتح. وأن ثورة غضب المسيحيين لن تطفئه مقابلة البابا والرئيس أو البابا وشيخ الأزهر. بل علينا أن نتوقع مزيدا من الغضب. وأن نبحث عن أسلوب أكثر جدية فى حماية المسيحيين وممتلكاتهم ودور عبادتهم.


إن أول رد فعل تثيره مثل هذه الاعتداءات البربرية أنها تلطخ صورة مصر فى عيون العالم الخارجى التى لا يظهر منها غير الجهد الخارق فى الحفاظ على نظام الحكم.. وهى تعطى مبررا وذريعة لجهات مثل بابا الفاتيكان ــ الذى لا يخفى كراهيته للإسلام والمسلمين ــ كى يطالب بتدخل دولى لحماية المسيحيين فى الشرق الأوسط، قاصدا بذلك مصر والعراق. ولعلنا نعرف أن ما تعرض له المسيحيون فى العراق قد أثار ثائرة دول عديدة على نظام نور المالكى فى بغداد. وبصفة عامة فإن انتشار مناخ الإسلاموفوبيا الذى يجتاح أوروبا الآن والذى بدأ يطال جماعات المهاجرين المسلمين والعرب عموما فى أوروبا، مرجعه إلى أحداث العنف الدينى التى تشهدها المنطقة وانتشار المصادمات بين الطوائف والأديان المختلفة.. وهو ثمن مضاعف لابد أن ندفعه فى علاقاتنا بالعالم الخارجى!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق