استقبلت البشرية، في مشارق الارض ومغاربها، العام الجديد بالاحتفالات المبهجة.. إلا نحن في مصر، وكأنه مكتوب علينا ألا نذوق طعم الفرح!
فبدلا من ان يتبادل المصريون - مسلمين ومسيحيين - التهنئة بحلول عام 2011 والتمنيات بأن يكون أفضل حالا من السنة المنصرمة، التي حفلت بالأحزان والأوجاع والمصائب، استقبلوا هذه المناسبة بتبادل الاخبار السوداء عن التفجير الاجرامي الجبان الذي استهدف كنيسة القديسين بحي سيدي بشر بالاسكندرية بعد دقائق معدودات فقط من بدء اول يوم من ايام السنة الجديدة، وسقوط عشرات القتلي والجرحي الذين تناثرت أشلاؤهم وسالت دماؤهم علي اسفلت شوارع عروس البحر الابيض المتوسط، التي كانت في سالف الزمان مهدًا للتسامح والتعايش الخلاق بين الثقافات، كما كانت مكتبتها العريقة، مكتبة الاسكندرية، منارة للحوار بين الحضارات.
لكن كل هذا بات ينتمي الي الماضي والذكريات لأن الحاضر يروي لنا قصة مناقضة تماما يسودها التعصب والتزمت وتطفح بثقافة الكراهية البغيضة التي شاءت أن تكشف عن وجهها القبيح بعد بضعة دقائق من بدء الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة.
ورغم أن هذا ليس أول حادث ارهابي تشهده مصر، ومع أن العمليات الارهابية وارد حدوثها في كل زمان ومكان، بما في ذلك أرقي الأمم وأكثر الدول تقدما وأمنًا وأمانا، الا ان جريمة رأس السنة بالاسكندرية تتجاوز »المعتاد« وتكتسب خطورة استثنائية من اكثر من زاوية:
أولا: وقعت هذه الجريمة البشعة بعد بضعة اسابيع من الاعتداء الجبان علي كنيسة »سيدة النجاة« بالعاصمة العراقية المستباحة بغداد.
ولعلنا لم ننس بعد أن تنظيم »القاعدة« اعلن مسئوليته عن تلك العملية التي بررها بأنها »انتقام« لمسلمات اعتنقن الاسلام وتحولن عن المسيحية، ديانتهن الاصلية، وتحتجزهن الكنيسة القبطية لهذا السبب بعد تسليم اجهزة الامن المصرية لهن اليها. ووقائع ذلك معروفة ومنشورة علي لسان تنظيم يسمي »دولة العراق الاسلامية« ، يقول الخبراء في دراسة الظاهرة الارهابية انه احد اذرع تنظيم »القاعدة« وجاء في نص بيانه المشار اليه انه »إنذار مهلة.. لتبيان حال اخواتنا في الدين المأسورات في سجون الكفر وكنائس الشرك في مصر، وإطلاق سراحهن جميعهن..«، ووضع البيان مسئولية تنفيذ ما ورد فيه من تهديد ووعيد علي عاتق من اسماهم »ليوث التوحيد« و»أحزمتهم الناسفة«.
هذا التهديد الواضح للكنيسة القبطية، ومصر بأسرها، لم يكن سريا كما هو واضح. بل كان معلوما للكافة ، وقد قوبل باستنكار الاغلبية الساحقة من المصريين، المسلمين منهم قبل المسيحيين. لكن يبدو أن البعض قد استخف به واستهان بما تضمنه!! وإذا لم يكن قد استخف بهذا التهديد فإنه لم يتخذ الاجراءات الكافية لمنعه، أو أن اجراءاته كانت بها ثغرات وثقوب نفذ منها القتلة. وهذه مسألة لا يجب أن تمر بدون حساب.
* * *
ثانيا: صحيح أن التحقيقات ما زالت في بداياتها ولم تظهر بعد أدلة دامغة عن الجهة المسئولة عن جريمة الاسكندرية، إلا ان الشواهد الاولية تشير الي اصابع »القاعدة« التي نفذت تهديدها وتركت بصماتها علي الطابع الانتحاري الذي تمت به الجريمة الجبانة.
واذا صح هذا الاحتمال فإنه يعني ان تنظيم »القاعدة« اصبح له وجود في مصر. وهذا تطور خطير دأب كثير من المسئولين المصريين علي نفيه واستبعاده بالمطلق. وهو تطوير سيفرض بالضرورة تداعياته السياسية والأمنية، خاصة في ضوء القلاقل التي تسود المنطقة.. من العراق حتي افغانستان مرورا بباكستان والصومال وغيرهما.
* * *
ثالثا: وحتي بافتراض مسئولية تنظيم »القاعدة« عن هذه العملية القذرة، فإن ذلك لا يعني الاكتفاء بإلقاء مسئوليتها علي عوامل وعناصر »خارجية« فقط، فالعامل »الداخلي« يظل حاضرا ومؤثرا في كل الحالات. والدليل علي ذلك أن الاعتداء علي اهداف مسيحية لم يبدأ بحادث ليلة رأس السنة وانما سبقته اعتداءات كثيرة أثبتت التحقيقات أنها كانت »مصرية الصنع« وتحمل شهادة (منشأ) مصرية مائة في المائة حتي لو كانت تحظي بدعم مباشر أو غير مباشر من اطراف خارجية.
كما أن نفس الذريعة التي تم ترديدها لتبرير هذا العدوان - وهو »تحرير« وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة المواطنتان المصريتان المسيحيتان اللتان ترددت قصص ميلودرامية عن اعتناقهما الإسلام ثم تسليمهما للكنيسة التي قامت باحتجازهما منذ »إسلامهما« حتي الان - هذه الذريعة لم يخترعها تنظيم »القاعدة« من العدم، بل إن فصائل مصرية كثيرة تبنتها من قبل. ووصلت الي حد تحريك سلسلة من المظاهرات التي رفعت شعارات مناهضة للكنيسة القبطية ومطالبة لها بـ»فك أسر« وفاء وكاميليا. وكانت آخر هذه المظاهرات - بالصدفة!!- بالاسكندرية، مسرح الجريمة الاخيرة، وبعد صلاة الجمعة، أي قبل ساعات من هذه العملية بالذات!
وبالطبع فإن معظم المشاركين في هذه المظاهرات يمكن اعتبارهم من اصحاب النوايا الحسنة، لكن الطريق الي جهنم مفروش احيانا بالنوايا الحسنة.
رابعا: هذا القتل الجماعي والعشوائي لاقباط مصريين، تعمد اختيار توقيت اجتماع الاقباط في كنائسهم احتفالا بـ»أعياد« دينية، مما يوحي بأنه لم يستهدف فقط إيذاء أكبر عدد ممكن من الاقباط المتواجدين في دور عبادتهم، وإنما ايضا ترويع »جميع« المسيحيين في البلاد قاطبة واغتيال فرحتهم واحتفالاتهم بمناسبة دينية عزيزة عليهم.
وخلق هذه الحالة من الهلع الجماعي وزعزعة إحساسهم بالامان داخل وطنهم يستهدف بدوره إجبار المسيحيين علي الرحيل عن البلاد حتي تصبح »دارا للاسلام« حصريا دون شريك. وهو ما تحقق بالفعل في معظم الدول العربية منذ اشتداد شوكة جماعات الاسلام السياسي، حيث تشير الارقام المتاحة الي ان عدد المسيحيين في العالم العربي قد تناقص بنسبة 25% علي الاقل حتي الان. وفي هذا السياق نفسه يتصاعد الخط البياني لعدد المسيحيين المصريين الذين يرحلون عن وطنهم بعد ان كف هذا الوطن عن ان يكون »محلا للعيش المشترك«. كما كان علي مر الزمان!!
* * *
خامسا: في المقابل بدأت بودار ظاهرة جديدة لم تكن مألوفة من قبل، وهي ان أعدادا متزايدة من شباب المسيحيين المصريين لم يعودوا يقنعون بالوصية القائلة »من لطمك علي خدك الايمن أدر له خدك الأيسر«، وبدأوا يتبنون أشكالا متنوعة -وجديدة- من »المواجهة« و»المقاومة«، تصاعدت من التظاهر داخل اسوار الكنائس الي الخروج بمظاهراتهم الي الشارع، ورفع شعارات ساخنة الي جانب الصليب طبعا، تشدد علي ان »الدم المسيحي« ليس رخيصا ولن يضيع سدي، ويذهب بعضهم أبعد من ذلك ملوحا بأن »عصر الاستشهاد قد بدأ«.
* * *
سادسا: ردًا علي ذلك، وبالتوازي مع القاء القبض علي بعض نشطاء الاقباط في مظاهرات من هذا النوع الاخير، كتلك التي ترافقت مع مظاهرات العمرانية احتجاجا علي محاولة هدم مبني خدمات مسيحية حاول البعض تحويله الي كنيسة، تذرع بعض البيروقراطيين في محافظة الجيزة بـ»سيادة القانون« في معرض الدفاع عن القاء القبض علي بعض المتظاهرين، او حتي سقوط بعضهم قتلي برصاص الشرطة اثناء تفريق هذه المظاهرات او ازالة مبني قبطي بحجة عدم الحصول علي ترخيص.
لكن هذا التذرع البيروقراطي بسيادة القانون ليس مقنعا للاغلبية الساحقة من الاقباط لان القانون لم يحقق لهم العدالة التي ينشدونها في اكثر من 160 قضية كان ضحاياها اقباطا، منذ سبعينيات القرن الماضي حتي الان، أزهقت فيها ارواح وأتلفت ممتلكات، ومع ذلك لم يصدر فيها حكم واحد ضد احد الجناة، بما في ذلك مذبحة »الكشح« الشهيرة!
والتذرع بسيادة القانون ليس مقنعا ايضا للغالبية الساحقة من الاقباط عندما يرون حماسا شديدا من جانب السلطات التنفيذية لمحافظة الجيزة - مثلا- لإزالة مبني لهم بحجة عدم حصولهم علي ترخيص لكي يكون كنيسة، في حين ان آلاف المباني الشاهقة المحيطة به في حي العمرانية ومحافظة الجيزة بأسرها، وسائر محافظات مصر، مخالفة مخالفات صارخة لقوانين البناء، وكثير منها غير حاصل علي ترخيص، ومع ذلك فإنها تقف شامخة تسد عين الشمس دون ان يحرك احد من هؤلاء المسئولين انفسهم ساكنا. فلماذا التذرع بالقانون ضد بناء كنيسة وغض الطرف عن القانون فيما عدا ذلك من آلاف ناطحات السحاب المخالفة ومئات الجوامع والزوايا التي لا ترخيص لها؟!
والتذرع بسيادة القانون ليس مقنعا ايضا للاغلبية الساحقة من الاقباط عندما يأتي علي لسان مسئولين في حكومة لا تحترم هي ذاتها سيادة القانون وتصر علي عدم تنفيذ احكام القضاء النهائية وواجبة النفاذ او تحاول الالتفاف حولها وتفريغها من مضمونها، مثلما حدث مع الحكم القضائي ببطلان عقد »مدينتي« او حكم المحكمة الادارية العليا بالغاء الحرس الجامعي.. وغيرهما الكثير والكثير. فلماذا يطالب بتنفيذ القانون من يضربون به عرض الحائط؟!
* * *
سابعا- لم تعد الاغلبية الساحقة من الاقباط مستعدة للاقتناع بأن حادث الاسكندرية مجرد حادث فردي، او جزءا من مؤامرة خارجية نفذتها عناصر اجنبية او مأجورة.
فهذا ليس الحادث الاول، بل هو حلقة في سلسلة طويلة، وهذه السلسلة الطويلة تتزايد حلقاتها وحشية ودموية عاما بعد اخر، خاصة بعد مجزرة »الكشح« فصاعدا، حتي وصلت الي ذروتها في جريمة نجع حمادي البشعة التي وقعت عقب قداس عيد الميلاد في 7 يناير الماضي.. ثم تصاعدت الذروة لاول مرة الي العمليات الانتحارية كما حدث في الاسكندرية مؤخرا.
وبين »الكشح« و»نجع حمادي« شهدت مصر تصاعدا مخيفا للتيارات الاصولية المتطرفة، واستشراء مروعا للخطاب الديني المتعصب، ليس فقط علي منابر الكثير من المساجد، وانما ايضا في المدارس والجامعات ومؤسسات الاعلام، وحتي ملاعب الكرة، وبالنتيجة اصبح المواطن المسيحي المصري يشعر بالغربة في وطنه بصورة متزايدة، شأنه في ذلك شأن شقيقه المسلم العلماني او المسلم المستنير الذي لم يصبه بعد فيروس التعصب الطائفي الوبائي، حيث اصبح الخلط بين الدين والسياسة وتسييس الدين وتديين السياسة هو القاعدة، وحيث اصبح الجامع والكنيسة فوق الوطن والدولة والدستور، واصبحت »الفتوي« اهم من »القانون«.
وكل هذا يعني أن الادعاء بأن هذه العمليات الارهابية مجرد احداث فردية ليس سوي هراء. فنحن في الحقيقة ازاء »مؤسسة ارهاب« منظمة، لها قاعدتها الاقتصادية ومنابرها الثقافية والاعلامية، ومخالبها السياسية، فضلا عن أذرعها العسكرية.
وهذه المؤسسة الارهابية تعيش وتترعرع وتزدهر في »بيئة صديقة« تغذيها بالقوة البشرية المتزايدة بلا انقطاع، وتمدها بالمساعدات اللوجستية اللازمة بسخاء، في ظل »دروشة« المجتمع الغارق حتي اذنيه في الخرافة واللاعقلانية مع سيادة خطاب ثقافي متخلف يتساند وظيفيا مع ثقافة الفقر الذي تتسع دوائره بصورة غير مسبوقة بينما تزداد تخمة الثراء الفاجر وتستفحل مؤسسة الفساد، بالتوازي مع نقص الشفافية في المجتمع علي كل المستويات وفي كل المجالات، وبالتوازي ايضا مع النكوص الديمقراطي وغلبة العزوف المجتمعي عن المشاركة، في ظل استمرار التزوير الفج لإرادة الامة والتلاعب السافر بمشيئة الناخبين، بفضل فساد قواعد اللعبة السياسية التي تجعل من الخصم حكما ومن القاضي جلادا.
وغني عن البيان انه عندما تسد الشرايين الشرعية للتغيير وتداول السلطة نتيجة لهذه الممارسات الفاسدة، يصبح ازدياد الطلب علي العنف والخروج علي القانون والرغبة في الحصول علي ما يتصوره البعض حقا.. أمرا واردا.. ولا مناص منه في بعض الاحيان.
وهذه هي بالدقة »مزارع الارهاب«، وهي مزارع يذهب انتاجها الي السوق المحلية حسب الطلب، كما انه جاهز للتصدير في كل الاحيان. ونقوم باستيراده مرة اخري وقت اللزوم عملا بالقاعدة القائلة »هذه بضاعتنا ردت الينا«.
* * *
لهذا كله.. نرجوكم توقفوا عن تشغيل الاسطوانة المشروخة المملة التي تقول ان هذا حادث فردي او مؤامرة خارجية.
نرجوكم.. توقفوا عن عزف نشيد وحدة الهلال والصليب والتسامح المزعوم بين »عنصري« الامة.
فالحقيقة المرة التي لا سبيل لإنكارها هي ان »المواطنة« لا تزال مجرد شعار اجوف، بلا اساس، وبدون آليات، وليست له فاعلية، في ظل دستور مهلهل ومتناقض ذاتيا، ومجتمع مغيب وغارق في الجهل والامية والفقر والفساد والثقافة الظلامية، ودولة تنسحب من واجباتها الاساسية كدولة »راعية« مخلفة بانسحابها فراغا رهيبا يملؤه اباطرة المال وتجار الدين.
وفي مثل هذا المناخ الملتبس، والغارق في تضارب المصالح، والتكالب علي المكاسب الصغيرة والانتصارات الرخيصة في معارك تافهة وقصيرة النظر، تتقلص فرص مقومات بناء الدولة المدنية الحديثة وتصبح الاولوية للانتماءات الاولية، ما قبل الوطنية.
ومن هنا بالتحديد يأتي »الطلب« علي الارهاب الديني، ليس فقط باعتباره »ايدولوجية« ، وانما ايضا بصفته »بزنس« يحقق مصالح حفنة ضئيلة، طائفية او عشائرية، او حتي تشكيلات عصابية، لكنه يأتي بلا شك علي حساب المصالح العليا للوطن.
وحادث الاسكندرية ليلة رأس السنة هو مثال علي ذلك، فهو يعرض وحدتنا الوطنية في الداخل لاخطار جسيمة، وفي الخارج يعطي قوة دافعة لـ»الاسلاموفوبيا« ، كما يضع مصر موضع الاتهام امام الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، ويعطي ذريعة اضافية لتيار الاستقواء بالخارج، كما يخلق ارضية خصبة للمتشددين في كل المعسكرات وانصار الساعين للحصول علي حقوقهم، او ما يتصورون انه حقهم، بـ»الذراع« طالما ان القانون كسيح لا حول له ولا قوة، وانتقائي بلا ضمير.
وعندما يغيب الرضا بضرورة الاحتكام الي القانون.. فقل علي الدنيا السلام.
** *
لذلك كله نرجو أن يرتفع حزب التبرير الي مستوي مسئولية مواجهة الخطر الذي يهدد الامة والوطن، وأن يتوقف أنصاره عن إدمان التهوين من القضية او وضعها في إطار تافه وأبعاد أصغر وأتفه من حقيقة ابعادها الكبيرة. ونرجو أن يعترف هؤلاء - ولو مرة واحدة- بأن حادثة رأس السنة ومثيلاتها هي فاتورة التقاعس عن بناء الدولة المدنية الحديثة، وفاتورة التلكؤ عن انتهاج سياسات عادلة لمشكلات مزمنة تفرغ مبدأ المواطنة من مضمونه، في مقدمتها مشكلة القيود المفروضة علي بناء الكنائس، ومشكلة التمييز في شغل الوظائف العمومية بسبب الدين، ومشكلة العقبات المتعددة التي تجعل حرية المعتقد شعارا أجوفا.
فلو أننا نعيش في دولة مدنية حديثة - بحق وحقيق- لما كانت هناك مناسبة لوجود مشكلة مثل مشكلة وفاء قسطنطين او كاميليا شحاتة او غيرهما من الهائمين بين الاديان لاسباب دنيوية في اغلب الاحوال، ولما كانت هناك حجة لان يضع المسجد والكنيسة نفسيهما فوق الدولة، أو أن تنحتحل الفتوي لنفسها الاولوية علي القانون، ولما وجد الطلب المجتمعي عليها أصلا.
** *
باختصار.. إذا كنتم تدينون الارهاب حقا، وتريدون حقا وصدقا اغلاق ابواب مزرعة الارهاب الديني.. فيجب أن تعملوا علي ان تعيدوا للدولة دورها الدنيوي الذي سحبتموه منها وأن يعود رجال الدين وأركان المؤسسات الدينية الي »ثكناتهم« ويتركوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
فمن يريد القضاء علي الباعوض.. عليه أن يقوم بتجفيف المستنقعات التي يتغذي عليها. ومستنقعات الارهاب ليست مجهولة العنوان.
فبدلا من ان يتبادل المصريون - مسلمين ومسيحيين - التهنئة بحلول عام 2011 والتمنيات بأن يكون أفضل حالا من السنة المنصرمة، التي حفلت بالأحزان والأوجاع والمصائب، استقبلوا هذه المناسبة بتبادل الاخبار السوداء عن التفجير الاجرامي الجبان الذي استهدف كنيسة القديسين بحي سيدي بشر بالاسكندرية بعد دقائق معدودات فقط من بدء اول يوم من ايام السنة الجديدة، وسقوط عشرات القتلي والجرحي الذين تناثرت أشلاؤهم وسالت دماؤهم علي اسفلت شوارع عروس البحر الابيض المتوسط، التي كانت في سالف الزمان مهدًا للتسامح والتعايش الخلاق بين الثقافات، كما كانت مكتبتها العريقة، مكتبة الاسكندرية، منارة للحوار بين الحضارات.
لكن كل هذا بات ينتمي الي الماضي والذكريات لأن الحاضر يروي لنا قصة مناقضة تماما يسودها التعصب والتزمت وتطفح بثقافة الكراهية البغيضة التي شاءت أن تكشف عن وجهها القبيح بعد بضعة دقائق من بدء الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة.
ورغم أن هذا ليس أول حادث ارهابي تشهده مصر، ومع أن العمليات الارهابية وارد حدوثها في كل زمان ومكان، بما في ذلك أرقي الأمم وأكثر الدول تقدما وأمنًا وأمانا، الا ان جريمة رأس السنة بالاسكندرية تتجاوز »المعتاد« وتكتسب خطورة استثنائية من اكثر من زاوية:
أولا: وقعت هذه الجريمة البشعة بعد بضعة اسابيع من الاعتداء الجبان علي كنيسة »سيدة النجاة« بالعاصمة العراقية المستباحة بغداد.
ولعلنا لم ننس بعد أن تنظيم »القاعدة« اعلن مسئوليته عن تلك العملية التي بررها بأنها »انتقام« لمسلمات اعتنقن الاسلام وتحولن عن المسيحية، ديانتهن الاصلية، وتحتجزهن الكنيسة القبطية لهذا السبب بعد تسليم اجهزة الامن المصرية لهن اليها. ووقائع ذلك معروفة ومنشورة علي لسان تنظيم يسمي »دولة العراق الاسلامية« ، يقول الخبراء في دراسة الظاهرة الارهابية انه احد اذرع تنظيم »القاعدة« وجاء في نص بيانه المشار اليه انه »إنذار مهلة.. لتبيان حال اخواتنا في الدين المأسورات في سجون الكفر وكنائس الشرك في مصر، وإطلاق سراحهن جميعهن..«، ووضع البيان مسئولية تنفيذ ما ورد فيه من تهديد ووعيد علي عاتق من اسماهم »ليوث التوحيد« و»أحزمتهم الناسفة«.
هذا التهديد الواضح للكنيسة القبطية، ومصر بأسرها، لم يكن سريا كما هو واضح. بل كان معلوما للكافة ، وقد قوبل باستنكار الاغلبية الساحقة من المصريين، المسلمين منهم قبل المسيحيين. لكن يبدو أن البعض قد استخف به واستهان بما تضمنه!! وإذا لم يكن قد استخف بهذا التهديد فإنه لم يتخذ الاجراءات الكافية لمنعه، أو أن اجراءاته كانت بها ثغرات وثقوب نفذ منها القتلة. وهذه مسألة لا يجب أن تمر بدون حساب.
* * *
ثانيا: صحيح أن التحقيقات ما زالت في بداياتها ولم تظهر بعد أدلة دامغة عن الجهة المسئولة عن جريمة الاسكندرية، إلا ان الشواهد الاولية تشير الي اصابع »القاعدة« التي نفذت تهديدها وتركت بصماتها علي الطابع الانتحاري الذي تمت به الجريمة الجبانة.
واذا صح هذا الاحتمال فإنه يعني ان تنظيم »القاعدة« اصبح له وجود في مصر. وهذا تطور خطير دأب كثير من المسئولين المصريين علي نفيه واستبعاده بالمطلق. وهو تطوير سيفرض بالضرورة تداعياته السياسية والأمنية، خاصة في ضوء القلاقل التي تسود المنطقة.. من العراق حتي افغانستان مرورا بباكستان والصومال وغيرهما.
* * *
ثالثا: وحتي بافتراض مسئولية تنظيم »القاعدة« عن هذه العملية القذرة، فإن ذلك لا يعني الاكتفاء بإلقاء مسئوليتها علي عوامل وعناصر »خارجية« فقط، فالعامل »الداخلي« يظل حاضرا ومؤثرا في كل الحالات. والدليل علي ذلك أن الاعتداء علي اهداف مسيحية لم يبدأ بحادث ليلة رأس السنة وانما سبقته اعتداءات كثيرة أثبتت التحقيقات أنها كانت »مصرية الصنع« وتحمل شهادة (منشأ) مصرية مائة في المائة حتي لو كانت تحظي بدعم مباشر أو غير مباشر من اطراف خارجية.
كما أن نفس الذريعة التي تم ترديدها لتبرير هذا العدوان - وهو »تحرير« وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة المواطنتان المصريتان المسيحيتان اللتان ترددت قصص ميلودرامية عن اعتناقهما الإسلام ثم تسليمهما للكنيسة التي قامت باحتجازهما منذ »إسلامهما« حتي الان - هذه الذريعة لم يخترعها تنظيم »القاعدة« من العدم، بل إن فصائل مصرية كثيرة تبنتها من قبل. ووصلت الي حد تحريك سلسلة من المظاهرات التي رفعت شعارات مناهضة للكنيسة القبطية ومطالبة لها بـ»فك أسر« وفاء وكاميليا. وكانت آخر هذه المظاهرات - بالصدفة!!- بالاسكندرية، مسرح الجريمة الاخيرة، وبعد صلاة الجمعة، أي قبل ساعات من هذه العملية بالذات!
وبالطبع فإن معظم المشاركين في هذه المظاهرات يمكن اعتبارهم من اصحاب النوايا الحسنة، لكن الطريق الي جهنم مفروش احيانا بالنوايا الحسنة.
رابعا: هذا القتل الجماعي والعشوائي لاقباط مصريين، تعمد اختيار توقيت اجتماع الاقباط في كنائسهم احتفالا بـ»أعياد« دينية، مما يوحي بأنه لم يستهدف فقط إيذاء أكبر عدد ممكن من الاقباط المتواجدين في دور عبادتهم، وإنما ايضا ترويع »جميع« المسيحيين في البلاد قاطبة واغتيال فرحتهم واحتفالاتهم بمناسبة دينية عزيزة عليهم.
وخلق هذه الحالة من الهلع الجماعي وزعزعة إحساسهم بالامان داخل وطنهم يستهدف بدوره إجبار المسيحيين علي الرحيل عن البلاد حتي تصبح »دارا للاسلام« حصريا دون شريك. وهو ما تحقق بالفعل في معظم الدول العربية منذ اشتداد شوكة جماعات الاسلام السياسي، حيث تشير الارقام المتاحة الي ان عدد المسيحيين في العالم العربي قد تناقص بنسبة 25% علي الاقل حتي الان. وفي هذا السياق نفسه يتصاعد الخط البياني لعدد المسيحيين المصريين الذين يرحلون عن وطنهم بعد ان كف هذا الوطن عن ان يكون »محلا للعيش المشترك«. كما كان علي مر الزمان!!
* * *
خامسا: في المقابل بدأت بودار ظاهرة جديدة لم تكن مألوفة من قبل، وهي ان أعدادا متزايدة من شباب المسيحيين المصريين لم يعودوا يقنعون بالوصية القائلة »من لطمك علي خدك الايمن أدر له خدك الأيسر«، وبدأوا يتبنون أشكالا متنوعة -وجديدة- من »المواجهة« و»المقاومة«، تصاعدت من التظاهر داخل اسوار الكنائس الي الخروج بمظاهراتهم الي الشارع، ورفع شعارات ساخنة الي جانب الصليب طبعا، تشدد علي ان »الدم المسيحي« ليس رخيصا ولن يضيع سدي، ويذهب بعضهم أبعد من ذلك ملوحا بأن »عصر الاستشهاد قد بدأ«.
* * *
سادسا: ردًا علي ذلك، وبالتوازي مع القاء القبض علي بعض نشطاء الاقباط في مظاهرات من هذا النوع الاخير، كتلك التي ترافقت مع مظاهرات العمرانية احتجاجا علي محاولة هدم مبني خدمات مسيحية حاول البعض تحويله الي كنيسة، تذرع بعض البيروقراطيين في محافظة الجيزة بـ»سيادة القانون« في معرض الدفاع عن القاء القبض علي بعض المتظاهرين، او حتي سقوط بعضهم قتلي برصاص الشرطة اثناء تفريق هذه المظاهرات او ازالة مبني قبطي بحجة عدم الحصول علي ترخيص.
لكن هذا التذرع البيروقراطي بسيادة القانون ليس مقنعا للاغلبية الساحقة من الاقباط لان القانون لم يحقق لهم العدالة التي ينشدونها في اكثر من 160 قضية كان ضحاياها اقباطا، منذ سبعينيات القرن الماضي حتي الان، أزهقت فيها ارواح وأتلفت ممتلكات، ومع ذلك لم يصدر فيها حكم واحد ضد احد الجناة، بما في ذلك مذبحة »الكشح« الشهيرة!
والتذرع بسيادة القانون ليس مقنعا ايضا للغالبية الساحقة من الاقباط عندما يرون حماسا شديدا من جانب السلطات التنفيذية لمحافظة الجيزة - مثلا- لإزالة مبني لهم بحجة عدم حصولهم علي ترخيص لكي يكون كنيسة، في حين ان آلاف المباني الشاهقة المحيطة به في حي العمرانية ومحافظة الجيزة بأسرها، وسائر محافظات مصر، مخالفة مخالفات صارخة لقوانين البناء، وكثير منها غير حاصل علي ترخيص، ومع ذلك فإنها تقف شامخة تسد عين الشمس دون ان يحرك احد من هؤلاء المسئولين انفسهم ساكنا. فلماذا التذرع بالقانون ضد بناء كنيسة وغض الطرف عن القانون فيما عدا ذلك من آلاف ناطحات السحاب المخالفة ومئات الجوامع والزوايا التي لا ترخيص لها؟!
والتذرع بسيادة القانون ليس مقنعا ايضا للاغلبية الساحقة من الاقباط عندما يأتي علي لسان مسئولين في حكومة لا تحترم هي ذاتها سيادة القانون وتصر علي عدم تنفيذ احكام القضاء النهائية وواجبة النفاذ او تحاول الالتفاف حولها وتفريغها من مضمونها، مثلما حدث مع الحكم القضائي ببطلان عقد »مدينتي« او حكم المحكمة الادارية العليا بالغاء الحرس الجامعي.. وغيرهما الكثير والكثير. فلماذا يطالب بتنفيذ القانون من يضربون به عرض الحائط؟!
* * *
سابعا- لم تعد الاغلبية الساحقة من الاقباط مستعدة للاقتناع بأن حادث الاسكندرية مجرد حادث فردي، او جزءا من مؤامرة خارجية نفذتها عناصر اجنبية او مأجورة.
فهذا ليس الحادث الاول، بل هو حلقة في سلسلة طويلة، وهذه السلسلة الطويلة تتزايد حلقاتها وحشية ودموية عاما بعد اخر، خاصة بعد مجزرة »الكشح« فصاعدا، حتي وصلت الي ذروتها في جريمة نجع حمادي البشعة التي وقعت عقب قداس عيد الميلاد في 7 يناير الماضي.. ثم تصاعدت الذروة لاول مرة الي العمليات الانتحارية كما حدث في الاسكندرية مؤخرا.
وبين »الكشح« و»نجع حمادي« شهدت مصر تصاعدا مخيفا للتيارات الاصولية المتطرفة، واستشراء مروعا للخطاب الديني المتعصب، ليس فقط علي منابر الكثير من المساجد، وانما ايضا في المدارس والجامعات ومؤسسات الاعلام، وحتي ملاعب الكرة، وبالنتيجة اصبح المواطن المسيحي المصري يشعر بالغربة في وطنه بصورة متزايدة، شأنه في ذلك شأن شقيقه المسلم العلماني او المسلم المستنير الذي لم يصبه بعد فيروس التعصب الطائفي الوبائي، حيث اصبح الخلط بين الدين والسياسة وتسييس الدين وتديين السياسة هو القاعدة، وحيث اصبح الجامع والكنيسة فوق الوطن والدولة والدستور، واصبحت »الفتوي« اهم من »القانون«.
وكل هذا يعني أن الادعاء بأن هذه العمليات الارهابية مجرد احداث فردية ليس سوي هراء. فنحن في الحقيقة ازاء »مؤسسة ارهاب« منظمة، لها قاعدتها الاقتصادية ومنابرها الثقافية والاعلامية، ومخالبها السياسية، فضلا عن أذرعها العسكرية.
وهذه المؤسسة الارهابية تعيش وتترعرع وتزدهر في »بيئة صديقة« تغذيها بالقوة البشرية المتزايدة بلا انقطاع، وتمدها بالمساعدات اللوجستية اللازمة بسخاء، في ظل »دروشة« المجتمع الغارق حتي اذنيه في الخرافة واللاعقلانية مع سيادة خطاب ثقافي متخلف يتساند وظيفيا مع ثقافة الفقر الذي تتسع دوائره بصورة غير مسبوقة بينما تزداد تخمة الثراء الفاجر وتستفحل مؤسسة الفساد، بالتوازي مع نقص الشفافية في المجتمع علي كل المستويات وفي كل المجالات، وبالتوازي ايضا مع النكوص الديمقراطي وغلبة العزوف المجتمعي عن المشاركة، في ظل استمرار التزوير الفج لإرادة الامة والتلاعب السافر بمشيئة الناخبين، بفضل فساد قواعد اللعبة السياسية التي تجعل من الخصم حكما ومن القاضي جلادا.
وغني عن البيان انه عندما تسد الشرايين الشرعية للتغيير وتداول السلطة نتيجة لهذه الممارسات الفاسدة، يصبح ازدياد الطلب علي العنف والخروج علي القانون والرغبة في الحصول علي ما يتصوره البعض حقا.. أمرا واردا.. ولا مناص منه في بعض الاحيان.
وهذه هي بالدقة »مزارع الارهاب«، وهي مزارع يذهب انتاجها الي السوق المحلية حسب الطلب، كما انه جاهز للتصدير في كل الاحيان. ونقوم باستيراده مرة اخري وقت اللزوم عملا بالقاعدة القائلة »هذه بضاعتنا ردت الينا«.
* * *
لهذا كله.. نرجوكم توقفوا عن تشغيل الاسطوانة المشروخة المملة التي تقول ان هذا حادث فردي او مؤامرة خارجية.
نرجوكم.. توقفوا عن عزف نشيد وحدة الهلال والصليب والتسامح المزعوم بين »عنصري« الامة.
فالحقيقة المرة التي لا سبيل لإنكارها هي ان »المواطنة« لا تزال مجرد شعار اجوف، بلا اساس، وبدون آليات، وليست له فاعلية، في ظل دستور مهلهل ومتناقض ذاتيا، ومجتمع مغيب وغارق في الجهل والامية والفقر والفساد والثقافة الظلامية، ودولة تنسحب من واجباتها الاساسية كدولة »راعية« مخلفة بانسحابها فراغا رهيبا يملؤه اباطرة المال وتجار الدين.
وفي مثل هذا المناخ الملتبس، والغارق في تضارب المصالح، والتكالب علي المكاسب الصغيرة والانتصارات الرخيصة في معارك تافهة وقصيرة النظر، تتقلص فرص مقومات بناء الدولة المدنية الحديثة وتصبح الاولوية للانتماءات الاولية، ما قبل الوطنية.
ومن هنا بالتحديد يأتي »الطلب« علي الارهاب الديني، ليس فقط باعتباره »ايدولوجية« ، وانما ايضا بصفته »بزنس« يحقق مصالح حفنة ضئيلة، طائفية او عشائرية، او حتي تشكيلات عصابية، لكنه يأتي بلا شك علي حساب المصالح العليا للوطن.
وحادث الاسكندرية ليلة رأس السنة هو مثال علي ذلك، فهو يعرض وحدتنا الوطنية في الداخل لاخطار جسيمة، وفي الخارج يعطي قوة دافعة لـ»الاسلاموفوبيا« ، كما يضع مصر موضع الاتهام امام الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، ويعطي ذريعة اضافية لتيار الاستقواء بالخارج، كما يخلق ارضية خصبة للمتشددين في كل المعسكرات وانصار الساعين للحصول علي حقوقهم، او ما يتصورون انه حقهم، بـ»الذراع« طالما ان القانون كسيح لا حول له ولا قوة، وانتقائي بلا ضمير.
وعندما يغيب الرضا بضرورة الاحتكام الي القانون.. فقل علي الدنيا السلام.
** *
لذلك كله نرجو أن يرتفع حزب التبرير الي مستوي مسئولية مواجهة الخطر الذي يهدد الامة والوطن، وأن يتوقف أنصاره عن إدمان التهوين من القضية او وضعها في إطار تافه وأبعاد أصغر وأتفه من حقيقة ابعادها الكبيرة. ونرجو أن يعترف هؤلاء - ولو مرة واحدة- بأن حادثة رأس السنة ومثيلاتها هي فاتورة التقاعس عن بناء الدولة المدنية الحديثة، وفاتورة التلكؤ عن انتهاج سياسات عادلة لمشكلات مزمنة تفرغ مبدأ المواطنة من مضمونه، في مقدمتها مشكلة القيود المفروضة علي بناء الكنائس، ومشكلة التمييز في شغل الوظائف العمومية بسبب الدين، ومشكلة العقبات المتعددة التي تجعل حرية المعتقد شعارا أجوفا.
فلو أننا نعيش في دولة مدنية حديثة - بحق وحقيق- لما كانت هناك مناسبة لوجود مشكلة مثل مشكلة وفاء قسطنطين او كاميليا شحاتة او غيرهما من الهائمين بين الاديان لاسباب دنيوية في اغلب الاحوال، ولما كانت هناك حجة لان يضع المسجد والكنيسة نفسيهما فوق الدولة، أو أن تنحتحل الفتوي لنفسها الاولوية علي القانون، ولما وجد الطلب المجتمعي عليها أصلا.
** *
باختصار.. إذا كنتم تدينون الارهاب حقا، وتريدون حقا وصدقا اغلاق ابواب مزرعة الارهاب الديني.. فيجب أن تعملوا علي ان تعيدوا للدولة دورها الدنيوي الذي سحبتموه منها وأن يعود رجال الدين وأركان المؤسسات الدينية الي »ثكناتهم« ويتركوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
فمن يريد القضاء علي الباعوض.. عليه أن يقوم بتجفيف المستنقعات التي يتغذي عليها. ومستنقعات الارهاب ليست مجهولة العنوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق