كتاب مصري يتتبع تاريخهم منذ مرحلة الشتات وحتى خروجهم الأخير
القاهرة: محمد أبو زيد
هل كان اليهود المصريون مصريين فعلا؟ لماذا تركوا مصر؟ طواعية أم تحت الضغط؟ هذه الأسئلة الجوهرية يحاول أن يجيب عنها كتاب «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات» للكاتب المصري محمد أبو الغار، الذي صدر حديثا عن دار الهلال بالقاهرة، والذي يتتبع فيه تاريخ اليهود المصريين منذ بدايتهم وحتى رحيلهم عنها.
هل كان اليهود المصريون مصريين فعلا؟ لماذا تركوا مصر؟ طواعية أم تحت الضغط؟ هذه الأسئلة الجوهرية يحاول أن يجيب عنها كتاب «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات» للكاتب المصري محمد أبو الغار، الذي صدر حديثا عن دار الهلال بالقاهرة، والذي يتتبع فيه تاريخ اليهود المصريين منذ بدايتهم وحتى رحيلهم عنها.
طوائف اليهود المصريين
* انقسم اليهود في مصر إلى طائفتين حسب الانتماء الديني، كبراهما هي طائفة اليهود الربانيين وكانت تمثل غالبية اليهود المصريين، وهي الطائفة التي ينتمي اليها معظم يهود العالم، وهم يؤمنون حسب الكتاب بالأسفار التسعة والثلاثين من التوراة بالإضافة إلى التلمود، وهناك أيضا طائفة اليهود القرائين، وهي طائفة اصغر حجما وأقل نفوذا من الربانيين وهم يؤمنون فقط بالتوراة ولا يؤمنون بالتلمود، وتعد اقدم جالية يهودية في مصر، فهي موجودة منذ اكثر من ألف عام، ويتميزون بأنهم يتكلمون العربية بلهجة مصرية سليمة ويكتبونها ويتحدثون بها في أعمالهم ومنازلهم ويعدون أنفسهم أولاد بلد، وكان عددهم نحو 5 آلاف عام 1948 إلا أن البعض يعتقد أن العدد الحقيقي ربما يكون اكبر من ذلك، وكان معظمهم يعيش في القاهرة في عطفة اليهود القرائين، وهي على حدود حارة اليهود الأصلية، وكان معظمهم من الفقراء الذين يشتغلون عمالا وصناعاً في صياغة الذهب والفضة والصرافة والتجارة التي يملكها اليهود الربانيون.
ويقدر الكتاب عدد اليهود المصريين الأصليين الذي عاشوا في مصر قرونا طويلة بنحو 10 آلاف أي نحو 15% فقط من الجالية اليهودية، وعاش معظمهم في حارة اليهود وبعض مدن وسط الدلتا، وكان معظمهم يشتغلون عمالا حرفيين، وكانوا في الأغلب من الفقراء، والكثير منهم كان بدون عمل مستمر ويعيشون على معونات الأثرياء من الجالية أو المؤسسات الخيرية.
لم تكن حارة اليهود حارة بالمعنى الحرفي، فهي كما يورد أبو الغار، في الحقيقة حي كامل فيه شوارع وحارات كثيرة متصلة ببعضها البعض، وتقع في وسط القاهرة بين القاهرة الإسلامية والخديوية، وسكنها أعداد كبيرة من المسلمين والأقباط. وكان سكانها من اليهود مرتبطين بأمرين أولهما الدخل المحدود والثاني القرب من مصادر الرزق بالنسبة للحرفيين في الصاغة وغيرها. أما من تحسنت احواله المادية فكان يهجر الحارة إلى عابدين أو باب اللوق أو باب الشعرية. ومن يغتني أكثر، ينتقل إلى العباسية أو مصر الجديدة، ولم تكن الحارة ـ الشهيرة ـ مكانا إجباريا ملزما لسكن اليهود في أي زمان من التاريخ الحديث لمصر، وفي الإسكندرية عاش اليهود في مختلف الأحياء حسب وضعهم الاقتصادي إلا ان فقراءهم كانوا يسكنون ما يعرف باسم سوق السمك.
وقد كانت هناك جالية يهودية في الإسكندرية منذ نشأتها، وكان عدد يهود الإسكندرية في القرن التاسع عشر نحو 4 آلاف يهودي، ووصل عددهم إلى 18 ألفا في أوائل القرن العشرين، وارتفع إلى أربعين ألفا عام 1948، وكانت الهجرة من اليونان وتركيا وسورية ولبنان وفلسطين والمغرب وكذلك ايطاليا وفرنسا وكان نصف يهود الإسكندرية من اليهود المصريين والنصف الآخر ينقسم إلى ثلاثة أقسام أولهم اللادينو من سكان البحر الأبيض المتوسط الذين هاجروا من أسبانيا والثلث الثاني من يهود إيطاليا وشرقي أوروبا، والثلث الثالث من يهود المغرب والشرق الأوسط الذين يتكلمون العربية، وفي أوائل الثلاثينات هاجرت مجموعة من يهود سالونيكي والنمسا والمجر وبولندا إلى مصر هربا من صعود النازية في ألمانيا.
الهجرة إلى فلسطين:
* عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، قامت السلطات العثمانية في فلسطين بترحيل نحو خمسة آلاف يهودي إلى مصر، وحسبما يورد الكتاب فان سوارس رئيس الجالية اليهودية في الإسكندرية قام بالضغط على القنصليات الأجنبية في الإسكندرية لتلعب دورا في حماية ومساعدة اليهود، وقد أنشأت الجالية مدارس لأطفالهم وكان عدد التلاميذ يتعدى الالف، وكانت لغة التدريس هي العبرية وظلت هذه المدارس مفتوحة لمدة 3 سنوات حتى عام 1918 حين عاد اليهود إلى القدس مرة أخرى وساهم في توفير الأموال اللازمة للمهاجرين يهود القاهرة وإنجلترا وأميركا. وكان اليهود المصريون يعاملونهم بكثير من الحذر والقلق لانهم لاحظوا انهم مختلفون، بينما كان اليهود المهاجرون يعتقدون أن اليهود المصريين كسالى ومحافظون للغاية.
ويشير أبو الغار الى ان اليهود لعبوا دورا مهما في مصر الحديثة التي يمكن أن يعد قدوم الحملة الفرنسية نقطة بداية لها، وكانت دعوة نابليون اليهود إلى الوقوف في صفه ومساعدته وما أبداه من تعاطف مع فكرة إعطاء وطن قومي لليهود هي أول بادرة في هذا الاتجاه من قوة أوروبية كبرى. واثناء حكم محمد علي حدث انفتاح كبير في مصر على الأوروبيين والأرمن ومختلف الجنسيات الأجنبية.
وقد بدأ اليهود حينئذ يحتلون وضعا متميزا، ووصل عددهم لما يقرب من تسعة الاف يهودي في عهده. وبدأت الجالية اليهودية تتبوأ مناصب مهمة، وكان أهمهم يعقوب مؤسس عائلة قطاوي الشهيرة، وقد تولى منصب رئيس الصرافيين وجامعي الضرائب وعدة مناصب توازي منصب وزير الخزانة الآن، وفي تعداد عام 1927 أصبح عدد اليهود 55063 ثم اصبح 64165 عام 1947 وهو اخر تعداد قبل هجرة اليهود النهائية من مصر خلال العقد التالي، وهناك من يقدرهم بنحو 75 الفا حيث ان الكثيرين منهم لم يسجلوا انفسهم في التعداد.
وقد لعب اليهود دورا كبيرا ـ حسب الكتاب ـ في الاقتصاد المصري فمنهم شيكوريل الذي أسس متاجر شيكوريل وريكو وساهم في تأسيس بنك مصر. وكان شيكوريل الأب رئيسا للغرفة التجارية المصرية وقاضيا في المحكمة المختلطة وانشأ سوارس بنكا، وسمي احد ميادين القاهرة المهمة باسمه، لكن تغير الاسم عام 1922 إلى ميدان مصطفى كامل. وهناك موسى قطاوي الذي أسس خط سكة حديد أسوان وشرق الدلتا وشركة ترام وسط الدلتا. وهناك أيضاً عائلة منشه ـ من اصل نمساوي ـ وعاشت في الإسكندرية وحضر عميدها إلى مصر أثناء افتتاح قناة السويس وبدأ حياته صرافا ثم اشترك في مشروعات كثيرة.
مشروع استيلاء على وطن:
* تذكر كتب التاريخ ان هناك ثلاثة مشروعات للاستيطان اليهودي أثنان منها في مصر احدهما في منطقة شرم الشيخ، وآخر في العريش، اما الثالث فكان في فلسطين. وقد فشل مشروع شرم الشيخ الذي بدأ نهاية القرن الـ 19 بسبب المعارضة العثمانية، وهجوم زعماء البدو، ثم كان مشروع العريش الذي يذكر أبو الغار أنه وافقت عليه بريطانيا، كما يذكر المؤلف.. وقد وصلت البعثة الصهيونية إلى مصر عام 1903 لعمل ترتيبات لاستيطان منطقة العريش وهجرة ملايين اليهود اليها، مع عمل الترتيبات اللازمة لفتح مياه النيل إلى المنطقة. لكن المشروع تأجل بسبب معارضة قوية من اللورد كرومر بالرغم من موافقة الحكومة البريطانية، فقد كان يرفض أن يتدخل أحد في مشروعاته الزراعية في مصر التي تعتمد على النهر.
ويذكر الكتاب إلى ان أول جمعية صهيونية في مصر تكونت عام 1897 وسرعان ما تكونت 14 جمعية في القاهرة والإسكندرية واتحدت عام 1917 وكونت الاتحاد الصهيوني وكان رئيسه جاك موصيري واصدروا مجلة «إسرائيل» بالفرنسية، ونظموا احتفالا كبيرا بمناسبة إصدار وعد بلفور، حضره 8 آلاف يهودي، كما ارسل موصيري برقية شكر إلى رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج. ومعروف ان 4 الاف يهودي فقط غادروا مصر إلى فلسطين في الفترة من 1917 ـ إلى 1947 ومعظمهم لم يكونوا مصريين أصلا بل مغاربة ويمنيين واشكيناز ويرجع البعض ذلك إلى الحالة المادية الممتازة لليهود المصريين والأمن الذي كان يتمتعون به.
الخروج الأخير
* لماذا خرج اليهود من مصر؟
يقول أبو الغار ان ما حدث للفلسطينيين في الأربعينات غير مسار الشارع من تيار مصري وطني إلى تيار عربي قومي، ولو كان اليهود المصريون يريدون فعلا ان ينصهروا في بوتقة الشعب المصري لأعلنوا بوضوح ان ما يحدث في فلسطين عمل غير إنساني، وانهم يتفقون مع الشعب المصري في تأييده للفلسطينيين، لكن ذلك لم يحدث، بل بالعكس عندما قويت شوكة الدولة اليهودية حتى قبل إعلانها تحول بعض اليهود المصريين إلى الصهيونية وبدأت هجرة البعض إلى إسرائيل، وعندما قامت ثورة يوليو 1952 كانت حريصة على طمأنة اليهود والحفاظ على ممتلكاتهم وأمنهم، وكانت هناك أقاويل عن احتمال قيام مباحثات بين عبد الناصر وإسرائيل لكن الحكومة الإسرائيلية سرعان ما نفذت عملية سوزان التي جندت فيها يهودا مصريين، والتي يعتبرها أبو الغار أظهرت اليهود بمظهر الطابور الخامس في وطنهم، وردا على إعدام اثنين من الإرهابيين اليهود، قامت اسرائيل بالهجوم على غزة، ثم كان العدوان الثلاثي الذي اشتركت فيه إسرائيل بدون سبب وشارك ضمن جنودها اليهود المصريون الذين جندوا في إسرائيل ومن الأسباب أيضا ازدياد نفوذ الصهيونية العالمية التي ضغطت على اليهود المصريين لترك مصر ترغيبا في حياة افضل في إسرائيل، كما ان التوجه المصري كان ضد القوى المرتبطة بقوى أجنبية وبهذا خرج من مصر ما بين عامي 56 و1960 نحو 36 ألف يهودي منهم 13 ألف يهودي نقلتهم الوكالة اليهودية إلى إسرائيل وبقيت أعداد قليلة اخذت تهاجر رويدا رويدا حتى لم يتبق منهم سوى 300 يهودي فقط عام 1970 من اصل ألف يهودي في عام النكبة.
الشرق الأوسط
http://www.aawsat.com/details.asp?section=28&article=297382&issueno=9655
تعقيب : لوجه الله ولمصر :
الجزء الخاص بالخروج من مصر موضع جدل كبير هل خرجوا تحت الإغراء والتهديد الصهيوني كما يرى المؤلف
أم بسبب مناخ طارد وضغوط شديدة وضيف أفق ضباط يوليو
أم أن الضغوط كانت من الجانبين بمعني أنهم لم يعودوا موضع ترحيب في وطنهم مصر
مع ترحيب في "وطن " جديد مصنوع حسب الكتالوج
لكن يحسب للكتاب توثيقه لتاريخ عنصر من عناصر الأمة المصرية
وتحية لمن بقوا رغم كل تلك الظروف الصعبة ولم يقبلوا بغير وطنهم بديلا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق