هند صلاح الدين
الشروق 12-12-2010
تحتفل مصر هذا العام بمرور مائة عام على إنشاء المتحف القبطى بالقاهرة والذى يعتبر من أهم المتاحف الأثرية فى مصر والعالم أجمع وذلك لما تمثله محتويات هذا المتحف من قيمة تاريخية وأثرية كبيرة تعبر عن جزء رئيسى فى ميراث مصر الحضارى وتاريخها العريق.
ومنذ بداية الاهتمام بدراسة الفروع المختلفة لعلم الآثار المصرية فقد أطلق العلماء مصطلح «الفن القبطى» على الخصائص الفنية التى ظهرت على الفن المصرى منذ القرن الرابع الميلادى بصفة عامة، وكذلك على فن المسيحيين من المصريين بصفة خاصة بعد الاعتراف الضمنى بالديانة المسيحية فى عهد الإمبراطور قسطنطين الأكبر 323-337 م.
والذى كان أول من اعتنق الديانة المسيحية من الأباطرة الرومان ، وقد تميز هذا الفن بأنه كان فنا وطنيا نشأ من صميم الشعب المصرى فى مواجهة الفنون الإغريقية والرومانية التى كانت منتشرة فى مصر آنذاك، وعلى الرغم من أن الفن القبطى قد تأثر فى مراحله الأولى بتلك الفنون، إلا انه سرعان ما شكل لنفسه طرازا محليا خاصا به يعتمد على إبداع الفنانين المصريين وثقافاتهم المحلية النابعة من حضارتهم العريقة، ثم تميزت الفنون المسيحية فيه بالبساطة والرمزية وكذلك بتقريب مفردات العقيدة المسيحية وتراثها الدينى لمن يتعرف عليها للمرة الأولى.
ومع إنشاء مصلحة الانتيكخانة المصرية عام 1857 على يد الفرنسى أوجست مارييت فقد ظهرت البدايات الأولى للاهتمام بحفظ الفنون القبطية عندما أقيم أول معرض للفن القبطى فى مصر فى قاعة خصصها مارييت له بمتحف الآثار المصرية الذى شيده فى بولاق أبى العلا عام 1858.
وعندما تأسست لجنة حفظ الآثار العربية عام 1881 للحفاظ على الآثار الإسلامية بمصر فقد نادى المهندس ماكس هرتس النمساوى الأصل والذى كان يرأس قطاع المشروعات باللجنة بضرورة إنشاء متحف خاص للآثار القبطية بل وطالب البطريرك «كيرلس الخامس» فى عام 1897م بضرورة تخصيص مكان للمحافظة على الآثار القبطية المعرضة للخطر، وتعالت أصوات المثقفين المسيحيين فى تلك المرحلة مثل يعقوب نخلة روفيلة مؤلف كتاب «تاريخ الأمة القبطية» بضرورة إنشاء متحف للآثار القبطية فى مصر، إلا أن الفضل الحقيقى فى تأسيس المتحف القبطى يرجع إلى مرقص باشا سميكة الذى اشتهر بحبه الشديد للفنون والآثار القبطية والحفاظ عليها.
ولقد ولد مرقص سميكة فى عام 1864م لأسرة عريقة بمنطقة الأزبكية بالقاهرة وتلقى تعليمه فى مدرسة البطريركية التى أسسها البابا كيرلس الرابع حيث درس اللغات القبطية، واليونانية، والإنجليزية والفرنسية، ثم شغل منصبا مرموقا فى مصلحة السكك الحديدية المصرية حتى اعتزاله الخدمة عام 1907م، وحمل على مدى حياته العديد من الرتب تقديرا لجهوده مثل البكوية والنيشان العثمانى ورتبة المتمايز ورتبة الباشاوية وكان عضوا فى العديد من المجالس والجمعيات مثل مجلس شورى القوانين والجمعية التشريعية ومجلس المعارف الأعلى ومجلس أعلى دار الآثار العربية ومجلس الأثريين فى لندن وعضو مجلس إدارة جمعية الآثار القبطية بالقاهرة.
ويروى مرقص سميكة باشا فى مذكراته: إنه عندما توجه فى أحد الأيام من شتاء عام 1908 لزيارة البطريرك كيرلس الخامس فقد وجده يشرف على عملية وزن بعض العلب الفضية القديمة لحفظ الأناجيل وكذلك بعض الأوانى الكنسية التى تحمل كتابات قبطية وعربية تعود إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر وذلك تمهيدا لصهرها وإعادة استخدامها مرة أخرى، فأبدى سميكة باشا رغبته فى شراء هذه الروائع على أن هذه الأشياء تحفظ فى مخزن كبداية لإنشاء متحف للآثار القبطية فوافق البطريرك على طلبه، واختار سميكة باشا قطعة من أراضى الأوقاف التابعة للكنيسة القبطية ذات موقع فريد لتكون نواة للمتحف القبطى حيث تقع ارض المتحف داخل حصن «بابليون» الرومانى وإلى جوار الكنيسة المعلقة أقدم كنائس القاهرة، كما تقع بالقرب من كنيسة أبى سرجة التى تحتوى على المغارة التى استراحت فيها العائلة المقدسة أثناء فترة هروبها إلى مصر، وكذلك معبد بن عزرا اليهودى أقدم معبد يهودى فى مصر ومسجد عمرو بن العاص أول مسجد فى أفريقيا، وبدعم من البطريرك فقد حصل سميكة على بعض القطع والأعمال الأثرية من المجموعات الخاصة لبعض الأغنياء من محبى الفنون ومن الأديرة والكنائس المختلفة لاستكمال مجموعة المتحف الأثرية تمهيدا لافتتاحه، وافتتح المتحف القبطى رسميا فى الرابع عشر من مارس فى عام 1910 تحت حكم الخديو عباس حلمى الثانى مكان الجناح القديم بالمتحف حاليا وكان مرقص سميكة باشا أول مدير له ، وقد اهتم سميكة باشا بعمارة هذا المتحف اهتماما شديدا وقام بتزيين أسقف وممرات جناح العرض فيه بأعمال فنية وأثرية جلبها من بعض القصور والمبانى القديمة التى كان يملكها الأقباط ، كما أسس سميكة باشا مكتبة المتحف الحالية فى عام 1920 م وأمدها بمجموعة ثمينة من الكتب والمخطوطات التى يعود أغلبها إلى القرن الرابع الميلادى.
وفى عام 1931 قامت الحكومة المصرية بضم المتحف القبطى إلى أملاكها نظرا لأهميته التاريخية والحضارية ولذلك عمل سميكة باشا على نقل الجزء الأكبر من الآثار القبطية التى كانت فى حوزة المتحف المصرى إلى المتحف القبطى كما حصل على دعم مالى لإضافة جناح جديد إلى المتحف ويكون اكبر حجما، واستمر سميكة باشا فى العمل على انجاز هذا المشروع حتى وفاته فى عام 1944، وعندما افتتح الجناح الجديد فى عام 1947 فقد وضعت إدارة المتحف آنذاك تمثالا نصفيا لسميكة باشا وكذلك لوحة تذكارية مسجل عليها اسمه بالقبطية والعربية والإنجليزية فى واجهة المتحف تخليدا لذكراه كمؤسس للمتحف القبطى.
وفى عام 1966 قامت مصلحة الآثار المصرية بإغلاق المتحف القبطى بسبب تداعى الجناح القديم حيث أعيد ترميم المتحف وافتتاحه فى عام 1984، ثم ما لبث أن أغلق المتحف مرة أخرى بعد زلزال أكتوبر 1992 حيث خضع لعملية ترميم وتطوير شاملة تم فيها وصل جناحى المتحف معا لأول مرة كما أعيد تطوير نظام العرض وتصنيف القطع المعروضة طبقا لأحدث النظم العالمية وقام الرئيس محمد حسنى مبارك بافتتاح المتحف رسميا فى الخامس والعشرين من يونيو فى عام 2006م.
وتبلغ مساحة المتحف نحو 8000 متر مربع ، وتحتوى مجموعة المتحف على 16 ألف قطعة أثرية تعد من أهم مجموعات الفن القبطى وأكثرها ندرة فى العالم أجمع والتى تتنوع ما بين الأحجار والصور الجدارية والأيقونات والمخطوطات القبطية واليونانية والعربية، وكذلك المنسوجات والعاج والمعادن والخزف والفخار والتى تروى مسيرة هذا المتحف العريق خلال قرن من الزمان
ومنذ بداية الاهتمام بدراسة الفروع المختلفة لعلم الآثار المصرية فقد أطلق العلماء مصطلح «الفن القبطى» على الخصائص الفنية التى ظهرت على الفن المصرى منذ القرن الرابع الميلادى بصفة عامة، وكذلك على فن المسيحيين من المصريين بصفة خاصة بعد الاعتراف الضمنى بالديانة المسيحية فى عهد الإمبراطور قسطنطين الأكبر 323-337 م.
والذى كان أول من اعتنق الديانة المسيحية من الأباطرة الرومان ، وقد تميز هذا الفن بأنه كان فنا وطنيا نشأ من صميم الشعب المصرى فى مواجهة الفنون الإغريقية والرومانية التى كانت منتشرة فى مصر آنذاك، وعلى الرغم من أن الفن القبطى قد تأثر فى مراحله الأولى بتلك الفنون، إلا انه سرعان ما شكل لنفسه طرازا محليا خاصا به يعتمد على إبداع الفنانين المصريين وثقافاتهم المحلية النابعة من حضارتهم العريقة، ثم تميزت الفنون المسيحية فيه بالبساطة والرمزية وكذلك بتقريب مفردات العقيدة المسيحية وتراثها الدينى لمن يتعرف عليها للمرة الأولى.
ومع إنشاء مصلحة الانتيكخانة المصرية عام 1857 على يد الفرنسى أوجست مارييت فقد ظهرت البدايات الأولى للاهتمام بحفظ الفنون القبطية عندما أقيم أول معرض للفن القبطى فى مصر فى قاعة خصصها مارييت له بمتحف الآثار المصرية الذى شيده فى بولاق أبى العلا عام 1858.
وعندما تأسست لجنة حفظ الآثار العربية عام 1881 للحفاظ على الآثار الإسلامية بمصر فقد نادى المهندس ماكس هرتس النمساوى الأصل والذى كان يرأس قطاع المشروعات باللجنة بضرورة إنشاء متحف خاص للآثار القبطية بل وطالب البطريرك «كيرلس الخامس» فى عام 1897م بضرورة تخصيص مكان للمحافظة على الآثار القبطية المعرضة للخطر، وتعالت أصوات المثقفين المسيحيين فى تلك المرحلة مثل يعقوب نخلة روفيلة مؤلف كتاب «تاريخ الأمة القبطية» بضرورة إنشاء متحف للآثار القبطية فى مصر، إلا أن الفضل الحقيقى فى تأسيس المتحف القبطى يرجع إلى مرقص باشا سميكة الذى اشتهر بحبه الشديد للفنون والآثار القبطية والحفاظ عليها.
ولقد ولد مرقص سميكة فى عام 1864م لأسرة عريقة بمنطقة الأزبكية بالقاهرة وتلقى تعليمه فى مدرسة البطريركية التى أسسها البابا كيرلس الرابع حيث درس اللغات القبطية، واليونانية، والإنجليزية والفرنسية، ثم شغل منصبا مرموقا فى مصلحة السكك الحديدية المصرية حتى اعتزاله الخدمة عام 1907م، وحمل على مدى حياته العديد من الرتب تقديرا لجهوده مثل البكوية والنيشان العثمانى ورتبة المتمايز ورتبة الباشاوية وكان عضوا فى العديد من المجالس والجمعيات مثل مجلس شورى القوانين والجمعية التشريعية ومجلس المعارف الأعلى ومجلس أعلى دار الآثار العربية ومجلس الأثريين فى لندن وعضو مجلس إدارة جمعية الآثار القبطية بالقاهرة.
ويروى مرقص سميكة باشا فى مذكراته: إنه عندما توجه فى أحد الأيام من شتاء عام 1908 لزيارة البطريرك كيرلس الخامس فقد وجده يشرف على عملية وزن بعض العلب الفضية القديمة لحفظ الأناجيل وكذلك بعض الأوانى الكنسية التى تحمل كتابات قبطية وعربية تعود إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر وذلك تمهيدا لصهرها وإعادة استخدامها مرة أخرى، فأبدى سميكة باشا رغبته فى شراء هذه الروائع على أن هذه الأشياء تحفظ فى مخزن كبداية لإنشاء متحف للآثار القبطية فوافق البطريرك على طلبه، واختار سميكة باشا قطعة من أراضى الأوقاف التابعة للكنيسة القبطية ذات موقع فريد لتكون نواة للمتحف القبطى حيث تقع ارض المتحف داخل حصن «بابليون» الرومانى وإلى جوار الكنيسة المعلقة أقدم كنائس القاهرة، كما تقع بالقرب من كنيسة أبى سرجة التى تحتوى على المغارة التى استراحت فيها العائلة المقدسة أثناء فترة هروبها إلى مصر، وكذلك معبد بن عزرا اليهودى أقدم معبد يهودى فى مصر ومسجد عمرو بن العاص أول مسجد فى أفريقيا، وبدعم من البطريرك فقد حصل سميكة على بعض القطع والأعمال الأثرية من المجموعات الخاصة لبعض الأغنياء من محبى الفنون ومن الأديرة والكنائس المختلفة لاستكمال مجموعة المتحف الأثرية تمهيدا لافتتاحه، وافتتح المتحف القبطى رسميا فى الرابع عشر من مارس فى عام 1910 تحت حكم الخديو عباس حلمى الثانى مكان الجناح القديم بالمتحف حاليا وكان مرقص سميكة باشا أول مدير له ، وقد اهتم سميكة باشا بعمارة هذا المتحف اهتماما شديدا وقام بتزيين أسقف وممرات جناح العرض فيه بأعمال فنية وأثرية جلبها من بعض القصور والمبانى القديمة التى كان يملكها الأقباط ، كما أسس سميكة باشا مكتبة المتحف الحالية فى عام 1920 م وأمدها بمجموعة ثمينة من الكتب والمخطوطات التى يعود أغلبها إلى القرن الرابع الميلادى.
وفى عام 1931 قامت الحكومة المصرية بضم المتحف القبطى إلى أملاكها نظرا لأهميته التاريخية والحضارية ولذلك عمل سميكة باشا على نقل الجزء الأكبر من الآثار القبطية التى كانت فى حوزة المتحف المصرى إلى المتحف القبطى كما حصل على دعم مالى لإضافة جناح جديد إلى المتحف ويكون اكبر حجما، واستمر سميكة باشا فى العمل على انجاز هذا المشروع حتى وفاته فى عام 1944، وعندما افتتح الجناح الجديد فى عام 1947 فقد وضعت إدارة المتحف آنذاك تمثالا نصفيا لسميكة باشا وكذلك لوحة تذكارية مسجل عليها اسمه بالقبطية والعربية والإنجليزية فى واجهة المتحف تخليدا لذكراه كمؤسس للمتحف القبطى.
وفى عام 1966 قامت مصلحة الآثار المصرية بإغلاق المتحف القبطى بسبب تداعى الجناح القديم حيث أعيد ترميم المتحف وافتتاحه فى عام 1984، ثم ما لبث أن أغلق المتحف مرة أخرى بعد زلزال أكتوبر 1992 حيث خضع لعملية ترميم وتطوير شاملة تم فيها وصل جناحى المتحف معا لأول مرة كما أعيد تطوير نظام العرض وتصنيف القطع المعروضة طبقا لأحدث النظم العالمية وقام الرئيس محمد حسنى مبارك بافتتاح المتحف رسميا فى الخامس والعشرين من يونيو فى عام 2006م.
وتبلغ مساحة المتحف نحو 8000 متر مربع ، وتحتوى مجموعة المتحف على 16 ألف قطعة أثرية تعد من أهم مجموعات الفن القبطى وأكثرها ندرة فى العالم أجمع والتى تتنوع ما بين الأحجار والصور الجدارية والأيقونات والمخطوطات القبطية واليونانية والعربية، وكذلك المنسوجات والعاج والمعادن والخزف والفخار والتى تروى مسيرة هذا المتحف العريق خلال قرن من الزمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق