الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

مسلمون وحداثيون

                            
محمد عبد الرحيم يكتب:
 مسلمون وحداثيون
السعي ما بين أدوات الجنس والتجميل الحلال والمسجد المحمول


ينظر الغرب دوماً إلى العالم الإسلامي بكثير من الريبة في أنه المُهدد الأول لحضارتهم، وربما لم تتخذ هذه النظرة خطواتها العملية إلا بعد أحداث 11 سبتمبر، التي جسدت هذا العدو أكثر، وانتوت محاربته بمزيد من الجديّة غير المسبوقة. وحتى يثبت بعض المسلمين العكس، بكونهم ليسوا بأعداء حضارة، بل السبّاقون دوماً ــ دون الإخلال بمبادئهم الدينية السامية ــ قاموا بالانخراط في الركب الحداثي للعالم، خاصة الفئة المسلمة التي تعيش في الغرب، وتحتك مع العالم الغربي بواقعية أكثر من مؤلفي الكتب عن العلاقات بين الشرق والغرب، وما شابه ذلك من مؤلفات كثيرة تفتقر إلى المنهج والتدقيق العلمي، فجاءت المواجهة عن طريق التجارة في أشياء تطمئن المسلم على نفسه ودينه وآخرته، دون أن تطرده من من رحمة الغرب.


الحلال

حيما يُذكر لفظ "الحلال" يتبادر للذهن الإسلامي فوراً اللفظ المقابل "الحرام" وهذه المقابلة هي المسيطرة على العقلية الإسلامية، سواء من خلال التشريع أو أراء الفقهاء ورجال الدين، الموكل لهم وضع جداول المنع والإباحة.
والحالة هنا أن المسلمين يعيشون تحت سماء دار الحرب/الغرب، وبالتالي تحيطهم المحرمات من كل جانب، فكان لابد من الخروج من هذا المأزق، وبمباركة رجال الدين، ودون الصدام مع الدول الغربية التي يعيشون فيها، وجاء هذا الخروج من خلال عدة منتجات تجارية طالعتنا بها الصحف ووكالات الأنباء مؤخراً، والتي انحصرت في منتجات غاية في الحميمية تتصل بشخصية وجسد الرجل المسلم والمرأة المسلمة، حتى أنها امتدت إلى العلاقات الشرعية بينهما ــ الشرعية فقط كما يقول أصحاب هذه المنتجات ــ دون نسيان الجانب الروحي، الذي تناولته التجارة أيضاً.
ودون أن ننسى أن ثلاثة أرباع الرزق في التجارة.


مستحضرات التجميل
 

"سامينا بيور ميكاب" شركة بريطانية تنتج وتسوّق أدوات تجميل تحت شعار "الحلال"، والتي تخلو من الكحول والمواد الحيوانية، وقد أطلقتها مسلمة بريطانية اسمها "سامينا اختر" من منزلها في برمنجهام، وتفتخر بأنها صاحبة أول شركة في بريطانيا تبيع مستحضرات تجميل حلال. وكان السبب كما ذكرته لوكالات الأنباء على حد قولها "كان ذلك يشكل عبئاً على ضميري، عرفت أن الكثير من مستحضرات التجميل يحتوي على مكونات غير مسموح للمسلمين بأكلها. ثم بدأتُ أفكر إذا كان أكلها حراماً فلماذا أضعها على وجهي؟"
وتتكون هذه المستحضرات من مواد نباتية ومعادن وزيوت أساسية وفيتامينات، يتم تصنيعها في استراليا وأوروبا، كما حصلت منتجاتها على شهادة بأنها حلال في يونيو الماضي من هيئة في استراليا تمنح شهادات المطابقة للشريعة الإسلامية.
وتضم المستحضرات التي تباع أساساً عن طريق الإنترنت منتجات مثل كريم الأساس وظل الجفون وأحمر الشفاة، وتبدأ أسعارها من ثمانية جنيهات استرلينية (12.50 دولار) واستهدفت في البداية نحو مليون مسلمة يعشن في بريطانيا.
من ناحية أخرى قامت "ساندرين جافيت" التي تعيش وتعمل في فرنسا،
و
المتخصصة في مستحضرات التجميل بتأسيس علامة تجارية جديدة لمنتجات التجميل الحلال باسم "جمال" في أعقاب زيارة لماليزيا التي يغلب المسلمون على مواطنيها.
وقد حصلت منتجاتها هي الأخرى
على شهادة من مسجد باريس بأنها مطابقة لاحكام الشريعة الاسلامية.
وللبيرة أيضاً نصيب

لم يتوقف الأمر على منتجات التجميل، بل أصبح هناك مجالاً للبيرة الحلال، ففي آخر مستجدات سوق الحلال تم الترويج للبيرة، والتي يفضل مروّجوها استعمال كلمة "مشروب"، وذلك لـ"تجنب نفور المشترين الذين لا يقتنون سوى المنتجات الحلال، نظراً لأنها لا تتوفر إلا على 0.05 بالمائة من الكحول" وهي نسبة مسموح بها من قِبل علماء السعودية الذين أصدروا فتوى بهذا الشأن. حسب قول موّزع هذا المنتج الذي لاقى إقبالاً في فرنسا، رغم كونه يُصنع في سويسرا خصيصاً للسوق السعودية.
المتعة الحلال

هذه المرّة ننتقل إلى أمستردام، فقد افتتح "عبد العزيز عوراج" وهو هولندي من أصل مغربي أول متجر في العالم لبيع المنتجات الجنسية "الحلال" التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية على الإنترنت، تحت اسم "عشيرة"، ويبدو أن المتجر الالكتروني يحقق نجاحاً كبيراً، فحسب زعم صاحبه وبعد أربعة أيام فقط على الافتتاح تجاوز عدد المشترين 60 ألف يوميًا.
ويُلاحظ أن الموقع يخلو من الصور المثيرة، والمُحفزة للخيال المُحرّم، فمتصفح الموقع لن يجد إلا صورة بألوان رمادية فيها شارع يتوسطه خط فاصل، حيث تجد النساء مدخلاً للمحتويات لجهة اليسار ويجد الرجال مدخلاً خاصًا بهم لجهة اليمين.
ويحتوي الموقع على أكثر من عشرة أنواع من زيوت التدليك، والمواد الدهنية الميسرة للإيلاج، وومواد أخرى للإثارة الجنسية. ويتم البحث بالموقع من خلال اللغة الهولندية أو العربية أو الإنجليزية. أما الصور على العلب والعقاقير والأنابيب والزجاجات الصغيرة فتكون باللون الوردي الفاقع أو الأزرق وعليها العلامة التجارية للشركة وهي عبارة عن شعلة سوداء.
ويؤكد صاحب المشروع أنه يشتري معظم بضاعته من شركة سويدية تُصنِّع منتجاتها من المواد العضوية الطبيعية الخالية من الدهون الحيوانية.
وبالسؤال عن استعمال البعض لهذه المنتجات الحلال خارج إطار العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة، التي حددها الإسلام، يقول عبد العزيز إنه سأل مستشاره الشرعي الإمام الهولندي البالغ من العمر الخامسة والثلاثين، والذي يعمل تقنياً في مجال الكهرباء ويتحدث العربية، وكذلك يؤم المصلين في عدة مساجد هولندية، كما يقدم المشورة في القضايا الجنسية للأزواج من أبناء الجالية المسلمة، أفتى الإمام بأن الذنب يقع على المستخدمين ونواياهم، فلا جناح عليك يا عبد العزيز.
ويُلاحظ أنه قبل أن يفتتح عبد العزيز متجره "عشيرة" على الإنترنت، قام هذا الإمام بإرشاده إلى أحد المشايخ في المملكة العربية السعودية، حيث التأويل الأكثر تشددًا للإسلام. وعن سؤاله بخصوص جواز بيع المواد التي تعزز الطاقة الجنسية بحسب الشريعة الإسلامية، أجابه الشيخ هاتفيًا: "هذا ليس بالشيء الجديد. ومواد كهذه تباع في مكة والمدينة المنورة، وبالمناسبة تباع هناك الملابس المثيرة أيضًا."
المسجد المحمول

مُجسّم مصنوع من البلاستيك أو من الورق المقوّى أو من الخشب، طوله قد يصل إلى المترين، لونه يختلف من الوردي للنساء والأطفال إلى الأزرق والرمادي للرجال، فيه محراب يشبه محراب المسجد الأقصى أو المسجد النبوي+ سجادة تركية + أضواء كأضواء ثريات المساجد + مُكبّر صوت ينادي للصلاة، ويسمى "محراب بوكس".
هذه هي آخر صيحات الحداثة الإسلامية، والفكر الإسلامي الذي يواجه الغرب. صاحب هذه الفكرة ومنفذها هو "حسن بونمشة" تونسي الأصل، ويعمل إمام مسجد أوبرفيلييه بباريس، كما يملك مطعماً إيطالياً للأكل الحلال.
ويقول حول أسباب تنفيذه لهذه الفكرة، والمتاجرة بها كسلعة يرى أنها مضمونه "الصلاة لحظات اتصال مع الخالق، يجب خلالها قطع جميع الصلات الأخرى، لذلك يجب خلق محيط يساعد على التركيز لبلوغ الخشوع كما لو أننا في بيت من بيوت الله"
ولخلق هذا المُناخ الروحي يَعِد الشيخ حسن مريديه من المؤمنين بإدخال التحسينات على المسجد الشخصي، فقريباً ستوجد به شاشة تصحح أخطاء تلاوة القرآن، تعمل بنظام إلكتروني يعطل جميع الألعاب الالكترونية الموجودة في البيت وقت الصلاة.
ويتراح السعر من 69 يورو إلى 450 يورو للذي يضم مكبر صوت ينادي للصلاة وأضواء كثريات المساجد. ولكن حتى ينتشر أكثر بين المؤمنين سيتم إنتاج نموذج بحجم أصغر وبديكور أقل، قد لا يتعدى 50 يورو.

وبسؤاله بأن صلاة الجماعة هي أساس الصلاة الإسلامية، ومحرابه هذا يتنافى مع طبيعة الصلاة، ردّ قائلاً كمروّجي المنتجات بالقنوات الفضائية "الأمر ليس حراما، فمحراب بوكس لم يكن أبداً ليحل محل المسجد، ولكنه أنشئ خصيصاً للنساء والأطفال الذين ليسوا مجبرين على الذهاب إلى المسجد، ولصلاة النوافل بالنسبة للرجال وخاصة للثلث الأخير من الليل، أو للأشخاص الذين لا يوجد مسجد بالقرب من سكنهم خاصة في البلدان الغربية"
كما نفي تماماً أن يكون الأمر بدعة، وكل بدعة ضلالة كما نعرف، وآخرها جهنم، فكان لابد من التوسل برجال الدين الإعلامي، لإضفاء الشرعية على المنتج والترويج له بصورة مشرفة للإسلام والمسلمين في الغرب، فيسترسل الشيخ حسن
بمنطق الإعلان التجاري "بمجرد سماع مسجد محمول ومحراب من الورق يخيل بأن الأمر بدعة، وتعد على صورة بيت من بيوت الله، ولكن بعد مشاهدة المحراب فالكثير غير رأيه بدليل أن الكثير من العلماء المسلمين المعروفين في العالم، أبرزهم الشيخ سعد البريك وعبد الله بصفر وعمر عبد الكافي، تبنوه وهم يصلون خلفه".

نعتقد أن المسلمين بهذه الوسائل والاختراعات المذهلة سيقفزون قفزة هائلة نحو الحداثة وما بعدها، وقد نسمع يوماً في ظل ما يحيط العالم الإسلامي من اضطهاد أن يقول أحدهم لأخيه في الله "إحمل مسجدك واتبعني".


                                                        
محمد عبد الرحيم

لوجه الله ولمصر.. تشكر الكاتب الصديق: محمد عبد الرحيم .....
على مشاركته وتلبيته الدعوة .
*محمد عبد الرحيم :روائي وسيناريست وصحفي 
http://mummu80.blogspot.com/

هناك 3 تعليقات:

  1. ما كتبته يا صديقى ربما اضحكنى بعضه مثلما استفزنى بعضه الآخر سعيا خلف الحداثه .. ما كتبته يحتاج لدراسه وافيه و مناقشات جدليه طويله حول الحداثه و ماهيتها و فساد تطبيق الدين .. اما بخصوص نظرة الغرب فهذا يعيدنا الى قضية الدين و حرية التعبير تلك الجدليه الأزليه الأبديه مثلما يعيدنا الى نظريات صراع الحضارات .. حرية التعبير مصونه شرط عدم مس مشاعر الآخرين .. انها نظرية ورديه حقا فلا يوجد مقياس واضح و موضوعى لمعرفة حدود مشاعر الآخرين و ﻻ يمكن ترك تحديد هذا الأمر بيد الطرف الآخر إن كان متديناً أم ﻻ ﻷنه سيضعه بعيداً حيث ﻻ يمكن نقاشه ..
    طارق زمزم

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. شكرا طارق ويقول المتنبي :أغاية الدين أن تحفوا شواربكم
    يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

    ردحذف