الجمعة، 27 مايو 2011
الجمعة، 20 مايو 2011
الخميس، 19 مايو 2011
بعض السمات العامّة التي تحكم انتفاضات منطقتنا...
صادق جلال العظم
الحياة
17 مايو
لماذا في هذا الوقت بالذات؟ هو السؤال الكلاسيكي المعهود الذي ترفعه، فوراً وبعصبية ظاهرة، عقليات نظرية المؤامرة وتفسيراتها السوريالية لحظة وقوع أي حدث ملفت، إن كان في العالم العربي أو العالم الإسلامي عموماً. أما الملفت للنظر حقاً في أيام ربيع الانتفاضات الشعبية السلمية والمدنية والمدينية على أنظمة الاستبداد العربية – والتي لم أكن أتوقع بأن أحيا بما فيه الكفاية لأعيش أيامها وأتابعها – فهو أن الطرف الذي هرع بعصبية لا تجارى وبهلع لا تخطئه العين إلى الاحتماء بـ «المؤامرة» وبنظرياتها وتفسيراتها هو أنظمة الاستبداد ذاتها، وليس الأوساط الشعبية الثائرة والتي كنا نقول عنها دوماً إنها هي المغرمة، إلى حد الخبل أحياناً، بالتعليلات المؤامراتية وبسذاجاتها وتبسيطياتها.
هذا، بعد أن كانت أنظمة الاستبداد نفسها ودول الإكراه التابعة لها قد بذلت جهوداً حثيثة في تقديم نفسها على أنها المركز المُرَكَّز للميول الأكثر عقلانية واستنارة وإحاطة ووطنية ومدنية في مجتمعات عربية ما زالت الانقسامات العمودية، الطائفية والمذهبية والإثنية والقبلية والجهوية، تفعل فعلها التفتيتي في شعوبها وفعلها التأخيري التفويتي في مجتمعاتها.
إلا أن المعادلة انقلبت فجأة رأساً على عقب. قلبتها الانتفاضات الشعبية من تونس إلى اليمن مروراً بمصر وسورية والبحرين وليبيا و... وقد شاهدنا الأنظمة العربية إياها وهي تتشبث، في ساعة الحقيقة، تشبثاً ميكانيكياً تكرارياً وعصابياً بأكذوبة «المؤامرة» وتتمسك، كيفما اتفق، بالالتواءات الكافكاوية لمنطقها الهاذي والمتضمن كله في السؤال الأصل: لماذا في هذا الوقت بالذات؟ جواب الشاعر العربي جاهز: في هذا الوقت بالذات لأن طبائع الاستبداد جعلتهم من أولئك الذين
لا يتّقون الشر حتى يصيبهم
ولا يحسنون الأمر إلا تدبّرا
ولأنهم غدوا «لا يحسنون الأمر إلا تدبرا»، تحولت في نظرهم تلك الجموع الهائلة المنتفضة من شعوب اليمن وليبيا وتونس ومصر وسورية والبحرين إلى لا أكثر من قطاع طرق، ومندسّين مخربين، وعصابات مسلحة، وإرهابيين قتلة، هذا في أحسن الأحوال، وإلى مجرد جرذان وفئران وحشرات وما شابه، في أسوَئِها.
بطبيعة الحال ليس المطلوب كشف أية مؤامرة حقاً ولا أية إجابة جادة أو شبه جادة عن السؤال: «لماذا في هذا الوقت بالذات؟»، بل المطلوب كل المطلوب هو القدح الخبيث في استقلالية الجمهور الكبير الثائر والمطالب والمضحي، والتشكيك الماكر في أهليته وسيادته على نفسه مع التلميح الملتوي إلى قصوره العقلي والسياسي والوطني إضافة إلى الإيحاء بوجود إرادات شريرة خفية ونوايا مؤذية مموَّهة خلف تحركه وانتفاضته، لا تعرف كنهها أو تفهم خطرها على الوطن ووحدته سوى تلك «الأيدي الأمينة» الحافظة للنظام وأمنه ودولته وسلطته ما من شأنه التوحيد بين أمن الاستبداد وتسلطه واستمراره من ناحية، وأمن الشعب والوطن والدولة وديمومتها جميعاً، من ناحية ثانية.
الشعب التونسي حرّ
لكن جموع المحتجين والمعارضين والمنتفضين من أهل الربيع العربي قدمت أجوبة من نوع آخر عن السؤال: لماذا في هذا الوقت بالذات؟ وما من جواب أكثر بلاغة عن السؤال من تلك الصرخة التي أطلقها ذلك المحامي الشاب، وهو يتلوى فرحاً ويهتز نشوة في أحد شوارع تونس العاصمة: «الشعب التونسي حر»، لحظة سماعه بفرار زين العابدين بن علي وعائلته من البلاد، صرخة مدوية تابعها العالم أجمع صوتاً وصورة في كل مكان تقريباً على سطح الكرة الأرضية.
بعبارة أخرى: ثورة الياسمين جاءت في هذا الوقت بالذات لأن الشعب التونسي حر وليس لأنه ضحية لأية مؤامرة. ولا يقل عن ذلك الجواب بلاغة تحسُّر ذلك الشيخ التونسي الذي شاهدناه جميعاً على شاشات التلفزة وهو يتلمَّسُ شيبته ويقول متأسفاً على عمره الضائع، «هرمنا، هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية»، التي أتته وأتتنا متأخرة، ولكن لحسن حظنا جميعاً، قبل فوات الأوان.
جواب ثالث بليغ تابعناه بالصوت والصورة أيضاً: في هذا الوقت بالذات لأن «الشعب يريد إسقاط النظام»، إنقاذاً للوطن ولنفسه معاً، وليس إنجراراً أبله وانسياقاً ساذجاً مع مؤامرة أكَّد صاحب «الأيدي الأمينة» الرئيس علي عبدالله صالح، مُحقِّراً شعب اليمن، بأنها تحاك في البيت الأبيض وتدار من تل أبيب.
هناك من رأى أن انتفاضات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن والبحرين وسورية وليبيا وغيرها هي استمرار للثورة الإسلامية الشعبية في إيران على الاستبداد الشاهنشاهي بالبلاد، أو هي محاكاة ما للحراك الشعبي الديموقراطي العارم الذي أطاح بنظام سوهارتو العسكري الديكتاتوري في إندونيسيا (1997 – 1998)، أو هي امتداد لانتفاضة الأرز المليونية التي خلَّصت لبنان عام 2005 من الوصاية العسكرية والأمنية السورية المريرة على الجار الصغير، أو هي تقليد لحركة الاحتجاج والتظاهر الخضراء في إيران في 2009 اعتراضاً على التزوير الحاصل في الانتخابات الرئاسية هناك لإنجاح مرشح النظام محمود أحمدي نجاد. وهناك من ذكر، في هذا الصدد، الحراك الشعبي السلمي الهائل الذي أطاح بحكم ديكتاتور الفيليبين فرديناند ماركوس وزوجته إيميلدا عام 1986 لمصلحة حكم ديموقراطي جديد ومقبول.
ربيع دمشق، 2000
لا تعير هذه الظنون والافتراضات، على جدارتها، أية أهمية تذكر لربيع دمشق في 2000. فهو، في هذا السياق، يشكل، في نظري، نوعاً من «المقدمة النظرية» و «البروفة» الأولية السلمية والمسالمة كلياً وقته لما ستتفجر عنه الانتفاضات العربية اللاحقة من شعارات ومطالب وشكاوى ونداءات وتطلعات وتضحيات.
أقول إن الريادة عربياً في هذا المضمار كانت لربيع دمشق لأن مجموع الشعارات والمطالب والاحتجاجات التي رفعتها الانتفاضات الشعبية العربية من تونس إلى اليمن مروراً بليبيا الجريحة، موجودة كلها تقريباً – بصيغة راقية جداً – في الوثائق السياسية – النقدية – الإصلاحية التي طرحتها حركة إحياء المجتمع المدني في سورية أثناء ربيع دمشق القصير.
فقد طرحتها للنقاش الديموقراطي العام عبر موجة واسعة من المحاضرات والندوات والسجالات والمنابر والمنتديات والجلسات والأطروحات والأطروحات المضادة والانتقادات والكتابات التي عمت سورية كلها في تلك الفترة.
وكان الأمل في أن تشارك القيادة الشابة لسورية وقتها في هذا الحراك الحي والمنعش وأن تدلي بدلوها في سجالاته الجارية تمهيداً لتشكل رأي عام جامع بالنسبة لما تحتاجه سورية من إسعافات عاجلة وإصلاحات متوسطة ومعالجات آجلة. على سبيل المثال، إن «بيان الـ 99» مثقفاً سورياً (دمشق 30/9/2000) و «الوثيقة الأساسية للجان إحياء المجتمع المدني» المعروفة بـ «بيان الألف» (دمشق، كانون الثاني – يناير 2001) و «بيان ملتقى أنصار المجتمع المدني» (دمشق، آب – أغسطس 2002) تتناول وتشخص بدقة وإيجاز المسائل والقضايا والمعضلات والثغرات التي ثارت بسببها، ومن أجل تسويتها وإصلاحها، كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والبحرين عام 2011، وعلى رأسها الحرية والكرامة.
معروف أن شيئاً مما ارتجاه ربيع دمشق وتطلع إليه لم يحدث أو يتحقق، بل حدث عكسه تماماً بقيام السلطة الأمنية بخنق مناقشات الربيع تدريجاً وصولاً إلى وأده تماماً قبل أن تتفتح أية زهرة من أزهاره. قُمع ربيع دمشق: لأنه تحسس علناً الأزمات المتراكمة في البلد من دون أن تكون له يد في صنعها؛ ولأنه تلمّس صراحة الانسدادات والاختناقات التي أخذ النظام ينوء تحتها، علماً بأنه لم تكن له يد في جلبها، ولأنه استجاب بوضوح إلى حال التردي العامة في المجتمع، مع العلم أنه لم تكن له يد في إنتاجها؛ ولأنه انفعل بمشكلات مستعصية ومآزق مستشرية في طول البلاد وعرضها، مع العلم أنه لم تكن له يد في فعلها. لهذا السبب وفي هذا الوقت بالذات سالت الدماء الزكية في شوارع مدن سورية وبلداتها وقراها، وليس لأن جموع المحتجين في جميع أنحاء البلاد تنفذ مؤامرة خارجية جهنمية للنيل من استقرار الوطن ومنعته.
والخوف كل الخوف في أن تكون سياسة التعامي الإرادوي الرسمية عن هذا كله، وسياسة التعامل الأمني مع كل احتجاج وتظاهر ورفع مطالب شعبي سلمي على أنه فتنة وتمرد وعصيان وخيانة لا أكثر، قد عمَّقت شرخاً عميقاً، لا نجاة منه في المستقبل المنظور، بين النظام الحاكم والمجتمع السوري عموماً – سياسات ستدفع بهذا الشرخ، إن لم تتوقف، للتحول إلى فتنة طائفية وطوائفية معممة في البلاد حتى لو ظلت مستترة تقيةً إلى حين انفجارها مجدداً.
طبيعة الانتفاضات
سُمِّيت انتفاضات الربيع العربي الراهن بثورات الشباب وثورات التكنولوجيا العالية للاتصالات والمعلوماتية مثل الإنترنت والكومبيوتر المحمول والتلفون النقال وفايسبوك وتويتر ويوتيوب والفضائيات المتابعة لتطور الأحداث لحظة بلحظة وعلى مدار الساعة. وفي هذا كله نقلة نوعية هائلة لعبت بصورة حاسمة لمصلحة الشعوب الثائرة، وبمساعدتها على تعزيز المنحى السلمي لتحركها، وعلى الظهور بمظهر الحراك الواعي والمثقف المتمكن من أحدث إنجازات العصر في ميدان تكنولوجيا الاتصالات وتبادل المعلومات ونقل المعارف والاتصال والتواصل اللحظي في شكل عام.
وفي الوقت نفسه وضعت النقلة النوعية هذه الأنظمة وأجهزتها الأمنية في موضع المتخلّف عن الركب الذي ليس لديه من أسلوب للتعامل مع الوضع المستجد إلا الاحتماء وراء الخصوصيات التي نعرف أنها تميز كل دولة عربية عن أخواتها والإصرار المفاجئ على كل ما يفرِّد أي بلد عربي عن جاره أو يفرِّقه عن باقي البلدان العربية.
من هنا الادعاء الحكومي الرسمي العربي الصاخب، في زمن الثورات والانتفاضات، بأن مصر ليست تونس وأن ليبيا ليست مصر أو تونس وأن سورية ليست تونس أو مصر أو ليبيا... هذا في وقت لم تكن مصر يوماً أكثر شبهاً بتونس ومصر والبحرين وليبيا مما هي عليه اليوم على أرض الواقع الثوري القائم ذاته. فكما أن المواطن البحريني المنتفض يريد إصلاحاً يؤمن له ملكاً دستورياً حقيقة ورئيس وزراء لا يعيّنه القصر بل تفرزه الساحة، فإن المواطن المصري والسوري المنتفض بدوره يريد هو أيضاً إصلاحاً يؤمن له رئيساً دستورياً حقيقياً للجمهورية ورئيس وزراء لا يعينه القصر، بل تفرزه الساحة الأكثر ديموقراطية في بلده.
لذا أقول: لم يشعر المواطن العربي منذ زمن طويل نسبياً بتقارب المجتمعات العربية وتشابهها، مشكلات ومعضلات وتحديات وانسدادات واستبدادات وحراكات ومخارج وحلولاً، كما أخذ يشعر في زمن الربيع العربي الثوري الراهن. حتى المعادلة القومية العربية الرومانسية القديمة القائلة «بوحدة آلام الأمة وآمالها» اكتسبت أخيراً معنى ملموساً، إذ أصبح واضحاً أن آلام شعوب اليمن وتونس ومصر وسورية وليبيا والبحرين وآمالها، على سبيل المثال، لم تكن في يوم من الأيام متوحدة عيانياً، وليس رومانسياً، ومتشابهة عملياً، وليس تجريدياً، كما هي اليوم بالفعل، على ما يتبين من مطالب المتظاهرين وشعاراتهم واحتجاجاتهم وسلوكهم في كل دولة من دولنا العربية تقريباً.
لقد أظهر الربيع العربي «وحدة عربية» من نوع آخر أيضاً تجسدت في منهج الأنظمة وأجهزتها الأمنية في التعامل الميداني مع الوضع الشعبي الثوري المستجد. فقد أثبتت كلها أنه ليس عندها من حيلة أفضل من القمع العنيف والقنص من بعيد وإطلاق الرصاص الحي على المدنيين وتعريض جموع المتظاهرين والمحتجين والمعارضين إلى هجمات البلطجية والشبيحة بشراستها القاتلة. لذلك، يمكننا القول أيضاً بأنه لم تظهر وحدة الأنظمة العربية الأمنية وتشابهاتها في الاستبداد ببلدانها وفي الاستتباع لشعوبها كما ظهرت في أيام الربيع العربي المجيدة.
لا بد من تحفظ هنا عن بعض النزعات التي تريد أن تختزل ثورات الربيع العربي والجديد فيها، خصوصاً في نموذجي تونس ومصر، إلى الفئة العمرية الشابة الطاغية فيها وإلى تكنولوجيا الاتصالات العالية المستعملة على نطاق واسع في تسييرها. الشعوب تصنع الثورات والانتفاضات، والبشر هم الذي يتظاهرون ويحتجون ويعترضون ويستخدمون التكنولوجيا بأدواتها المتوافرة لهم مهما كان نوعها. معروف أن الشباب يشكلون الفئة العمرية الأوسع والأكبر في التركيب الديموغرافي للشعوب العربية عامة. لذا، لا مفاجأة في أن تميل انتفاضات شعوبنا الآن إلى أن تكون ثورات شباب وشابات، ولا غرابة في أن يستعمل هؤلاء التكنولوجيا المعاصرة المتوافرة لهم تماماً كما استعملت الثورات والانتفاضات في أزمنة سابقة الكاسيت والراديو والترانزيستور والجريدة والنشرة والكُرّاس وإذاعة صوت العرب وحتى الحمام الزاجل، في تحقيق أهدافها وخدمة أجنداتها.
قطع مع الزعامة الكاريزمية
في الوقت ذاته قطعت شبابية هذه الانتفاضات قطعاً جذرياً مع التقليد العربي العريق الذي يتطلب صعود زعامات كاريزمية تلتف حولها وحول قيادتها جماهير الثورة نفسها، كشرط لازم للنجاح وتحقيق الأهداف والمطالب. فانتقلت بذلك كاريزما اللحظة الثورية من التمركز المعهود في الفرد القائد أو الزعيم الفذ إلى الانسياب والسريان في الجموع المحتشدة في ساحات التحرير والتغيير العربية ليصبح الحشد نفسه هو اللحظة الكاريزمية الحقيقية للثورة والتغيير، وهذا تطور مهم جديد علينا بالتأكيد.
لهذا السبب، تميزت ساحات التحرير والتغيير في تونس والقاهرة وصنعاء والمنامة وبنغازي، مثلاً، بمشاركة مدنية كثيفة جداً للنساء وبالحضور المشهود للأطفال والأولاد والبنات في مدن ومجتمعات محافظة جداً، إضافة إلى أشكال من الفن وأساليب التعبير المبتكرة من موسيقى وعزف وأغنيات، إلى تمثيليات ورقصات وبالونات وصلوات، مروراً برسوم ساخرة وتعليقات هازلة وكتابات «غرافيتي» ناقدة، ذلك كله بوجوه فرحة عموماً على رغم البلطجة الهاجمة والتشبيح المميت والقمع المعمم والرصاص الحي بالجملة.
هذه كلها ظواهر شبابية جديدة مبتكرة لم نعهدها سابقاً في تظاهراتنا واحتجاجاتنا وانتفاضاتنا التي كانت دائماً عابسة بقسوة، متجهمة الوجه بشدة، غاضبة بحدة، مزمجرة بعدوانية وميالة إلى إحراق الأعلام وغير الأعلام وإلى إضرام النار في الكتب والمنشورات ومهاجمة السفارات ورفع شعارات العنف والتهديد والوعيد.
في الواقع، انحصر معظم هذه المظاهر القبيحة، وللمرة الأولى، في محيا أنظمة الاستبداد والقمع نفسها وفي سلوك أجهزتها ورجالاتها وبلطجيتها وشبيحتها و «أيديها الأمينة» دون سواهم، فكانت سيماهُم في وجوههم من كثرة السجود والارتزاق والولاء الأعمى.
لقد أثبتت اللحظة الكاريزمية لانتفاضات الربيع العربي نضجاً فائقاً تمكن من تخطي السيناريو الحديد الترويعي الذي روجت ومكنت له الأنظمة وعملت على أساسه لفترة مديدة. إنه السيناريو الذي كان يضع مجتمعاتنا أمام خيارات قاسية وصارمة لا فكاك منها من النوع الآتي: إما استمرار استبداد دولة الأحكام العرفية وحالة الطوارئ والأجهزة الأمنية القائمة حالياً، من جهة أولى، أو حكم القوى الإسلامية الأصولية الظلامية العازمة على إلغاء تاريخنا الحديث باسم الحاكمية الإلهية وعبر أحكام عرفية جديدة اسمها الشريعة الإسلامية بقانون عقوباتها المعروف، من جهة ثانية، أو التفتت العمودي الطائفي والمذهبي والإثني والجهوي والعشائري والقبلي للبلد والدولة مع ما يعنيه ذلك من فتن وحروب أهلية، من جهة ثالثة.
في الحقيقة، سلكت الأنظمة إياها سلوكاً ماكراً واعتمدت سياسات داخلية مصلحية فئوية ضيقة وهدامة هدفها الأساسي تدمير كل الاحتمالات والإمكانات والبدائل التي يختزنها المجتمع المدني في ذاته، بحيث لا يجد الناس أنفسهم إلا أمام الخيارات الثلاثة الشريرة المذكورة أعلاه، فيضطرون لاختيار أهون شرورها، أي الاستكانة والخضوع والقبول ببقاء كل شيء على ما هو عليه مهما كان رديئاً. أما الأخ القائد العقيد معمر القذافي فقد ذهب إلى أبعد من ذلك بتبنيه الاختيار الشمشوني: إما أنا... أنا... أنا... والعائلة والأولاد في السلطة، أو أهدم معبد الوطن الليبي على رؤوسنا جميعاً.
تجاوزت الانتفاضات الشعبية هذا السيناريو التهديدي التجميدي – تجاوزته من حيث المبدأ – بمدنيتها الشفافة ومواطنيتها الجامعة ووطنيتها المنفتحة وإنسانويتها المتسامحة وديموقراطيتها الوليدة. كما أن الجهد المطلوب لتفعيل هذا التخطي وتعزيزه واستكمال عناصره على المدى المنظور، والعمل بوحي القيم والخصائص والمبادئ التي أفرزها بالممارسة العملية اليومية في لحظته الكاريزمية المؤسِّسة، هو القادر على استيعاب الولاءات والعصبيات والمذهبيات الأهلية تحت المدنية والوطنية في مجتمعاتنا وعلى كبح جماحها وإذابتها عبر تصعيدها باتجاه اندماج وطني أرقى. وهو القادر أيضاً على التعامل مع الديموقراطية وآلياتها الدستورية والانتخابية في شكل لا يسمح لأية أكثرية سياسية – انتخابية، مهما كانت، باحتكار السلطة والاستبداد بالبلد مجدداً، وذلك عبر حفظ حق الأقلية السياسية – الانتخابية في أن تمارس دورها الديموقراطي المعارض في المجتمع والدولة، وحقها في أن تُحوِّل نفسها ديموقراطياً إلى أكثرية حاكمة جديدة لاحقاً. إذ من قال إن الأكثرية، متروكة لسجيتها بلا ضوابط، لا تستبد بنفسها وبشعبها وبدولتها وبأقلياتها. وهو القادر كذلك على تأمين المزيد من التمكين للمجتمع المدني وقواه وحراكه وقواعد التعامل فيه؛ وعلى تأكيد التوسع في معنى مدنية الدولة وحياد أجهزتها ومناصبها وأحكامها وإجراءاتها بما في ذلك مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء؛ وعلى ضمان حد أدنى من الاحترام لحقوق الإنسان والمواطن والمواطِنة وحرياتهم الشخصية والعامة جميعاً وعلى رأسها حرية الضمير والتفكير والمعتقد والتعبير والعبادة أو عدمها.
*****
أخيراً، قالت لي زوجتي إيمان إذا كان المجد يعود إلى الشاب محمد البوعزيزي لإطلاقه شرارة ثورة الياسمين في تونس، بإحراقه نفسَه وليس غيرَه احتجاجاً، وإذا كان المجد يعود إلى الشاب المصري خالد سعيد الذي قضى تحت التعذيب بعد أن اعتقلته الأجهزة الأمنية المعروفة، فانتقلت شرارة الانتفاضة إلى الساحات والميادين في مصر، فإن مجد إطلاق شرارة انتفاضة الشعب السوري يعود، بالتأكيد، إلى فتيان درعا الذين اقتلعت أظافرهم وأحرقت أكفهم بالنار بعد الاعتقال.
* مفكّر سوريّ... والنصّ أعلاه يُنشر في وقت واحد مع مجلّة «الطريق» اللبنانيّة في عدد خاصّ بالانتفاضات العربيّة.
سميح شقير :تحية إلى مصر
لحن وغناء: الفنان العربي( فلسطيني - سوري : سميح شقير
الكلمات نسج على نول أغاني الشيخ إمام وسيد درويش
الكلمات نسج على نول أغاني الشيخ إمام وسيد درويش
الطائفية وجع فى قلب مصر
حديث حول العنف الطائفي
كتب د.محمد نور فرحات
المصري اليوم 19 مايو 2011
ليس صحيحا ما يروج له البعض من أقاويل كاذبة تفترى على التاريخ بأن المسلمين والأقباط كانوا دائما يعيشون فى وطن واحد فى حالة وئام وانسجام يرفعون شعار وحدة الهلال مع الصليب، وليس صحيحا أن خلافاتهم الطائفية الدينية التى نشهدها اليوم هى من الأمور العارضة على التاريخ المصرى، التى يجب أن نتجاوزها لنعود إلى حالة السلام والحب والوفاق التى ورثناها عن أجدادنا وورثها أجدادنا عن أجدادهم وإن علوا. الصحيح أن أحداث العنف الطائفى يزخر بها تاريخنا الاجتماعى المصرى والعربى تطفو على السطح وتفرض نفسها على واقع المصريين فى سياقات ثقافية واجتماعية معينة فى ظل ضعف أو تواطؤ السلطة العامة، وتختفى فى سياقات تاريخية واجتماعية أخرى يتسم فيها البناء الاجتماعى بالنضج والرشد. تتميز السلطة العامة بإدراك واحترام مسؤوليتها عن تنفيذ القانون. فالتعامل مع الظاهرة الطائفية لا يكون بإنكارها باعتبارها شذوذا على حركة التاريخ وإنما بالتعامل مع أسبابها بما يمكننا من استئصالها من واقعنا بكل ما تخلفه من آثار وما تحمله من ظلال كئيبة. فى القرن الرابع الهجرى، أى منذ ما يزيد على ألف عام، كتب الشاعر الفيلسوف العربى الأشهر أبوالعلاء المعرى يقول عن التنابذ الطائفى فى الشام. فى اللاذقية ضجة. ما بين أحمد والمسيح- هذا بناقوس يدق- وذا بمئذنة يصيح. كل يعظم دينه. ياليت شعرى ما الصحيح؟
ويحدثنا المقريزى فى كتابه. المواعظ والاعتبار «عن أحداث طائفية حدثت فى مصر بعد ذلك بحوالى قرنين من الزمان عام ٧٢١، وهى المعروفة بأحداث كنيسة الزهرى فيقول. إلى إن كان يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول من هذه السنة وقت اشتغال الناس بصلاة الجمعة، تجمع عدد من الغوغاء بغير مرسوم السلطان وقالوا بصوت عال الله اكبر. وامتدت أيديهم نحو كنيسة الزهرى وهدموها حتى بقيت كوما وقتلوا كل من كان من النصارى، وأخذوا جميع ما كان فيها، وهدموا كنيسة مارمينا التى كانت بالحمراء، وتسلق العامة إلى أعلاها، وفتحوا أبوابها وأخذوا منها مالا وقماشا وخربوا واهلكوا كل ما فيها، فكان أمرا مهولا» ويستطرد المقريزى كذلك فى حديثه عن العنف الذى مارسه الأقباط ضد المسلمين بهدم مساجدهم ثأراً لهدم الكنائس.
وفرضت المسألة الطائفية نفسها على الواقع المصرى بإيعاز من الاحتلال الفرنسى إبان حملة نابليون بونابرت على مصر عام ١٧٩٨ فكون نابليون جيشا من الأقباط لمناصرته برئاسة الجنرال يعقوب، ثم بإيعاز من الاحتلال البريطانى الذى كان من أولويات أجندته المعلنة حماية الأقليات. ثم عقد المؤتمر القبطى سنة ١٩١١ الذى أعقبه المؤتمر المصرى بعد عدة شهور.
وخفتت حدة المسألة الطائفية مع قوة ساعد الحركة الوطنية بثورة ١٩١٩ وسمعنا عن وحدة الهلال مع الصليب كما استمعنا إلى مكرم عبيد باشا وهو يعلن أنه مسيحى الديانة مسلم الحضارة. وتلاشت تقريبا مع ثورة ١٩٥٢ والمشروع النهضوى لعبدالناصر، إلى أن عادت مرة أخرى وبحدة فى عصر الرئيس السادات الذى مزج بين الدين والسياسة وسعى إلى تسييس الدين وتديين السياسة لأسباب أدخل فى باب المناورة على كرسى الحكم منها فى باب الحرص على مصلحة الوطن أو الدين. وشهد هذا العصر العديد من التحرشات الطائفية أبرزها فى حوادث الخانكة وفى الزاوية الحمراء، ثم اشتدت حدة المسألة الطائفية فى عصر مبارك الذى شهد عنفا غير مسبوق من جماعات الإسلام السياسى موجهاً ضد رموز الدولة وضد اقتصادها ممثلا فى السياحة وضد المثقفين الليبراليين وضد الأقباط.
اليوم وبعد سقوط نظام مبارك وبعد نجاح ثورة يناير الديمقراطية فى الإطاحة بهذا النظام المستبد، تتصاعد- وياللدهشة والغرابة- حدة العنف الطائفى الموجه ضد الأقباط وكنائسهم وإن تبدلت مواقع الجناة. فبدلا من الغوغاء الذين تحدث عنهم المقريزى والحرافيش والزعر الذين تحدث عنهم ابن إياس والجبرتى حلت جماعات الاسلام السياسى العنيفة فى عصرى السادات ومبارك وجماعات السلفيين والبلطجية بعد سقوط مبارك. احتلت هذه الجماعات صدارة مشهد العنف الطائفى فى مصر.
ما هى الدروس التى نستقيها من هذا السرد التاريخى المتعجل لقصة الأحداث الطائفية فى مصر. هل من هذه الدروس أن نردد القول الساذج بأن علاقة المسلمين بالأقباط هى علاقة وئام وأن الإسلام يأمر أتباعه بحماية النصارى، وأن المسيحية تدعو أتباعها أن يحبوا أعداءهم ويباركوا لاعنيهم ويحسنوا إلى الذين أساءوا إليهم. هذا لغو فى مجال الجد وهروب من محاولة فهم ظاهرة تهدد مستقبل الدولة المصرية بأكملها. الدروس التى نستفيدها من هذا العرض التاريخى هى كما يلى.
أولا: إن الأطراف الفاعلة فى مشهد العنف الطائفى لا تتمثل فى الشرائح الاجتماعية المصرية المنتجة للإنتاج المادى أو الفكرى. ليسوا هم العمال أو الفلاحين أو المثقفين والأدباء والفنانين على اختلاف توجهاتهم ورؤيتهم. بل هى جماعات تقع على هامش الجسد الاجتماعى النابض. جماعات الغوغاء أو الجعيدية والزعر والحرافيش فى العصر العثمانى أو البلطجية. وهى لفظة تركية تعنى حاملى البلط من الخارجين على القانون. والدهماء فى عصرنا وهم ممن لا فكر لهم، ويتدثرون برداء الثقافة الدينية طلبا للعصبية والمكانة الاجتماعية والدور المفتقد. حقيقة قد تلعب بعض جماعات الساسة والمثقفين ذوى المرجعية الدينية من الطرفين دورها فى ازكاء ثقافة التمييز والكراهية الطائفية، ولكنها جماعات لا تمارس بنفسها أفعال العنف الطائفى بل تترك ذلك لمن اصطلح على تسميتهم الرعاع والدهماء.
المشكلة أن ثلاثين عاما من حكم مبارك بما اشتملت عليه من سياسات متعمدة لإفقار الجماهير وتسطيح الفكر وإزكاء الشعور الدينى الطائش قد أدت إلى اتساع شريحة الرعاع والدهماء هذه اتساعا لا نظير له فى التاريخ الاجتماعى المصرى. هذه الشريحة الاجتماعية الجاهلة المتهورة فى انفعالاتها المتدينة تدين المتنطعين الذين يوغلون فى الدين بعنف. يحفظون من الدين قشوره دون معناه وروحه وجوهره، هذه الشريحة قوامها ولحمتها ونسيجها هم من سكان القبور والعشوائيات والأحياء الفقيرة وجماعات العاطلين المتبرمين على المجتمع ومن فيه، وهم يعدون فى مصر بالملايين من الفقراء والمعدمين والمهمشين الذين يثورون، لأن امرأة تنصرت أو أسلمت أكثر من ثورتهم فى وجه حاكم مستبد يمارس ضدهم التعذيب والتجويع وإهدار الكرامة.
هذه الملايين لا تحمل فى عقولها أو أفئدتها أى قدر من الثقافة المصرية التقليدية المتسامحة الساخرة الفكهة الصابرة، بل إن ثقافتها هى ثقافة الغضب والعنف والقسوة والفظاظة والغلظة فى التعامل. هذه الملايين ولأن الوطن قد قسا عليها فى عيشها فقد رمته وراء ظهرها وأصبح الدين، وفقا لمفهومها، هى عن الدين، بتراثه الفظ الفج لا بتراثه السمح المتسامح، أصبح هو مرجعيتها الثقافية. وهكذا أصبح الجلباب القصير واللحية الممتدة والشارب المحفوف والوجه المتجهم وعلامة الصلاة المنقوشة نقشا وترديد أحاديث كثيرها موضوع، أصبح كل هذا هو الزاد الشكلى والموضوعى لجماعات تخلت عن حضارة المصريين المتدينة السمحة وعن تراث الإسلام الذى يتسع لقبول المخالفين فى الرأى وتوقيرهم واحترامهم. لقد أصبح التدين الشكلى المتجهم الذى يكره الآخر ويتحرش به هو المعادل الموضوعى لتعويض المكانة الاجتماعية والاقتصادية المهدرة.
ثانيا: هذه القاعدة الاجتماعية للعنف الطائفى كان من الممكن التعامل معها والحد من شرورها لو لم يكن يتم تغذيتها يوميا بواسطة الثقافة الدينية البدوية الوافدة إلينا عبر الصحراء من بلدان، أرقها كثيرا أن تقوم فى مصر ثورة تطالب بالحرية والديمقراطية. تلك الثقافة التى يتم نشرها عبر قنوات تليفزيونية تمول خليجيا. وأظن أن أصابع الإسلام البدوى الفج ليست بعيدة عما يجرى فى مصر الآن. وقد تتحد مصالحه مع مصالح عدونا التاريخى إسرائيل التى أرقها كثيرا أن تنحو الدبلوماسية المصرية منحى يعيد النظر فى ثوابت التبعية التى استقرت عليها الدبلوماسية المصرية عقودا من الزمان.
لقد زلزلت الثورة ثوابت عصر مبارك بأكملها، فحلت قيم الحرية والحداثة محل قيم الاستبداد والفساد والاستعلاء والتجبر، وحلت قيم الاستقلال الوطنى محل عادة الائتمار بأوامر السادة الإسرائيليين ومن شايعهم، إنها ثورة تنذر بكثير من المخاطر على مصالح خارجية تجذرت لعقود فى السياسة المصرية. لذا كان لا بد من العمل على زلزلة الأرض تحت أقدام الثورة بتوجهها الجديد، والبديل الجاهز لزلزلة الثورة بل وتقويضها هو إحياء العنف الطائفى، والقوى الاجتماعية لممارسة هذا العنف جاهزة فعلا ومستعدة متأهبة فى أزقة مصر وحواريها ومدنها الفقيرة وما أسهل إشعال نيرانها بعود ثقاب طائفى، بإطلاق شائعة عن امرأة تنصرت أو أخرى أسلمت أو ثالثة أحبت شخصا مختلفا عنها فى الدين وهربت معه من منزلها وهلم جرا من أمثلة استنفار الثقافات المنحطة بروايات منحطة تنفر لها عروق مشايخ وقساوسة الفضائيات الأكثر انحطاطا.
ثالثا: هذه القاعدة الاجتماعية الفقيرة فى مالها وفى عقلها وفى فكرها وفى دينها وفى عيشها، كانت هى بمثابة جيوش الظلام التى تخرج دائما للدفاع بالروح والدم عن مصالح أولياء نعمتها. وأول أولياء نعمتها هم رموز النظام السابق من رجالات الحزب الوطنى المنهار ورجالات أمن الدولة. كانت هذه البروليتاريا الرثة هى الجيوش الجلفة الفظة الجائعة التى أطلقها رجال النظام السابق وأجنحته السياسية والأمنية كالوحوش الكاسرة لتزوير وتشويه الانتخابات البرلمانية. وهى نفسها القوى الجاهزة لأن تتلقى لفافات الطعام وبعض أكياس الفاكهة وأوراق النقود مقابل أن يتم حشدها للإدلاء بأصواتها للقوى المحافظة على الساحة السياسية المصرية، وهى نفسها أيضا القوى الجاهزة لممارسة العنف الطائفى وغير الطائفى عندما تصدر لها أوامر بذلك.
رابعا: هذه القاعدة الاجتماعية للعنف والطائفية والقهر والتزوير هى النقيض المقابل والمعادى والمناهض للقاعدة الاجتماعية لثورة يناير. لقد قامت ثورة يناير على أكتاف وبعقول شباب مثقف واع بقيم الحداثة نجح فى حشد جماهير المصريين العاملين من عمال وفلاحين ومهنيين وفقراء وأغنياء ومتوسطى الحال لإسقاط نظام أظلم حياة الجميع بفساده واستبداده. هؤلاء هم المتظاهرون من أجل العدالة والحرية والكرامة وإسقاط النظام الفاسد المستبد، الذين لم يفرقوا بين مسلم وقبطى أو بين رجل وامرأة.
أما الغوغاء والدهماء الذين يدفعون ويدفع لهم لممارسة العنف الطائفى وإن طالت لحاهم، فهم نقيض قوى الثورة الحقيقية، إنهم فرسان وحمير وبغال موقعة الجمل، ومقاتلو معارك تنقيب النساء وقطع الآذان والهجوم على الكنائس. قوى الثورة هى قوى الديمقراطية والاستنارة، وقوى إجهاض الثورة هى القوى التى تعمل فى خدمة مصالح النظام البائد مدعومة بقوى التخلف الدينى والتعصب الطائفى وإشاعة ثقافة التمييز. هكذا الأمر بوضوح شديد.
خامساً: ورغم كل ذلك، كان من الممكن التحكم فى جيوش الجهل والفوضى والتعصب لو أننا تعاملنا معها بحزم وسيف القانون دون تأجيل أو إبطاء. لدينا نصوص فى قانون العقوبات تعاقب بالإعدام على ممارسة العنف المنظم ضد طوائف من الناس. ولدينا حالة طوارئ معلنه تستخدم سلطاتها ضد المتظاهرين الذين يرفعون مطالب سياسية أو فئوية ولا تستخدم ضد من يقوضون أركان بنيان الوطن بالعنف الطائفى. ولدينا أوامر عسكرية لمكافحة البلطجة. ولدينا نصوص موضوعية وإجرائية لمكافحة الإرهاب.
ولكننا بكل أسف وغرابة نواجه مؤامرة أخرى من أجهزة إنفاذ القانون. القانون يتم الدوس عليه بالأقدام كل يوم وساعة ولحظة فى الشارع المصرى دون أن يجد من يرد له اعتباره. لمن يريد أن يمارس البلطجة أن يمارسها اليوم فى مأمن.
ولمن يريد أن يقطع الطريق أن يقطعه اليوم فى مأمن. وليس من خطر يحيق بمن ينتهك حرمات وأموال وأعراض الآخرين. ولمن لا يروقه قضاء المحاكم أن يهدم منصة القضاء على رؤوس القضاة والمتقاضين.
هذا هو حال القانون والشرعية فى مصر اليوم. والمسؤولون عن تنفيذ القانون يجلسون قاعدين متسامرين متفكهين متندرين على ما وصل إليه حالنا. وأصبحنا دولة بها نصوص صارمة للقانون وجهاز رخو عاجز عن تنفيذ القانون. هل يأبى رجال الشرطة عندنا أن ينفذوا القانون إلا إذا أهانونا وصفعونا على وجوهنا وعذبونا دون أن يحق لنا أن نجأر بالشكوى أو أن نطالبهم باحترام القانون والمواطن معا. إذا كانوا كذلك فلتتم محاسبتهم، وليتركوا عملهم إلى حيث يريدون ويستطيع المصريون أن يقيموا لأنفسهم جهازا وطنيا حرا يحفظ لهم أمنهم وكرامتهم معا، المهم أن نبدأ الآن.
سادساً: هل علينا أن ننتظر حتى نجفف منابع القوى الاجتماعية الجاهلة التى يستخدمها المتآمرون على تعدد أطيافهم لممارسة الإرهاب والعنف الطائفى. هل علينا أن ننتظر حتى نعيد غرس ثقافة التسامح والتعايش وتفهم الحق فى الاختلاف؟ بالطبع لا وإلا كان علينا أن ننتظر فى معاناة لهيب العنف والطائفية سنين عددا. لنبدأ الآن وفورا فى تنفيذ حكم القانون بكل ردع وحزم. تلك هى روح ثورة يناير. من قتل يقتل. ومن نهب أو سرق أو روع لابد أن ينزل عليه حكم القانون فوراً. ولا مصالحة فى حق الوطن فى الأمن والطمأنينة. ومن تقاعس عن واجبه فى إقرار الأمن فهو شريك فى الجريمة يتحمل وزرها مثل فاعلها.
ولا تسامح مطلقا مع محاولات بعض الدوائر الكنسية أن تقيم من نفسها دولة فوق القانون. لا تسامح مع امتناع هذه الدوائر عن تنفيذ أحكام القضاء، أو مع اتخاذ الأديرة والكنائس سجونا تحبس فيها نساء رأين لأسباب دنيوية مغادرة المسيحية إلى الإسلام، حتى لو كانت هذه المغادرة غير خالصة لوجه الله والحرية، فنحن مجتمع لا تحكمه قرارات القساوسة أو جماعات أهل السلف. بل مجتمع يحب أن تحكمه قواعد قانونية تنفذها الدولة فى ظل احترام الحريات وحقوق الإنسان وأولها حرية المعتقد الدينى.
تلك هى الروح الحقيقية لثورة يناير ولا بد من الولاء لها وإلا فالطوفان قادم، وتفتت المجتمع المصرى قادم، وشبح الحرب الأهلية الدينية يخيم على الوطن الذى قامت فيه ثورة الحرية، وهذا بالضبط ما يريده من أطاحت بمصالحهم أول ثورة ديمقراطية فى التاريخ المصرى والعربى الحديث والوسيط والقديم، يريدون أن يهدموا الوطن على رؤوس أصحابه، فوسط أنقاض الوطن تمرح خفافيش الفساد. فهل نمكنهم من ذلك ونحن قاعدون؟
تقرير منظمة العفو الدولية عن مصر
مصر: ضحايا العنف خلال الاحتجاجات يستحقون العدالة
19 مايو 2011
أكدت منظمة العفو الدولية في تقرير شامل صدر بشأن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الاحتجاجات الأخيرة في مصر وراح ضحيتها ما لا يقل عن 840 قتيلاً أنه "يتعين على السلطات المصرية ضمان العدالة لجميع ضحايا القمع العنيف الذي رافق الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة في وقت سابق من العام الحالي".وتصدر منظمة العفو الدولية تقرير مصر تنتفض: أعمال القتل والاعتقال والتعذيب خلال "ثورة 25 يناير" قبل يومين فقط من مثول وزير الداخلية السابق، حبيب العادلي، للمحاكمة بتهم تتصل بعمليات قتل المحتجين.
وتعليقاً على الحالة الراهنة، قالت المنظمة إنه بينما بدأت السلطات بمحاسبة بعض الأشخاص المتهمين بالمسؤولية عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، ما برح العديد من ضحايا وحشية قوات الأمن معرضين لخطر الاستثناء من الجهود التي تبذل للتعامل مع إرث أعمال العنف.
وقالت منظمة العفو الدولية: "إن محاكمة شخصيات بارزة من كبار الموظفين الذين يشتبه في أنهم كانوا مسؤولين عن استخدام مفزع للقوة المفرطة ضد المحتجين السلميين خطوة أولى لا غنى عنها. ولكن استجابة السلطات للضحايا يجب أن تذهب إلى أبعد من هذا بكثير".
"فعائلات من قتلوا، وكذلك من لحقت بهم إصابات خطيرة أو تعرضوا للاعتقال التعسفي أو التعذيب، بما في ذلك على أيدي عسكريين، ينتظرون من السلطات أن تدرج احتياجاتهم ضمن سلم أولوياتها."
"وهذا يعني إبلاغهم بحقيقة ما حدث، وتقديم التعويض المناسب لهم، وضمان تقديم جميع المسؤولين عن محنتهم إلى ساحة العدالة."
ويقدِّم تقرير منظمة العفو الدولية أدلة دامغة على استخدام قوات الأمن القوة المفرطة في مسعى منها إلى تفريق المحتجين، وقمع الاحتجاجات ضد الرئيس السابق حسني مبارك، وبما يفضح مدى الاستهتار الصارخ بالحياة. فالعديد من المحتجين فارقوا الحياة نتيجة إصابتهم بطلقات في القسم العلوي من أجسامهم، بما في ذلك في رؤوسهم أو صدورهم، ما يشير إلى تعمد قتل محتجين لم يشكلوا أبداً أي تهديد لهم، أو يشير في أحسن الأحوال إلى استخدام متهور لامسؤول للأسلحة النارية.
وإضافة إلى ذلك، جرح ما يربو على 6,000 مصري في الاحتجاجات، وبعض هؤلاء أصيب بعاهة دائمة. فأبلغ منسق المستشفى الميداني في ميدان التحرير مندوبي منظمة العفو الدولية أنه عالج نحو 300 حالة لأشخاص أصيبوا بطلقات بنادق الخرطوش إصابة مباشرة في العيون أدت إلى فقدانهم البصر.
من جانب آخر، صرح رئيس الوزراء السابق، أحمد شفيق، في 16 فبراير/شباط، بأنه سيتم منح أقرباء من قتلوا خلال الاحتجاجات معاشاً شهرياً بقيمة 1,500 جنيه مصري (250 دولاراً أمريكياً)، أو دفعة واحدة بقيمة 50,000 جنيه مصري (8,400 دولار أمريكي) لمن لم يخلف وراءه معالين.
ولكن منظمة العفو الدولية تقول إنه يتعين عدم غض النظر عن ضحايا الإصابات الخطيرة، ولا سيما تسديد نفقات علاجهم. خاصة وأن مسؤولين حكوميين قالوا إنهم ينظرون في سبل لمساعدة المحتجين الجرحى. إلا أنه وبحسب علم منظمة العفو الدولية، لم تتخذ أي تدابير في هذا الاتجاه.
وقالت المنظمة كذلك إن مستوى التعويض المالي المقدم للضحايا ينبغي أن يأخذ في الحسبان ظروف كل حالة على حدة، بما في ذلك مدى جسامة الانتهاك والضرر الذي لحق بالضحية.
فلقد نشرت لجنة تقصي الحقائق في الاحتجاجات الحكومية المصرية ملخصاً لتقريرها النهائي في 14 أبريل/نيسان، محمِّلة وزير الداخلية السابق المسؤولية عن أعمال قتل المحتجين.
وبينما رحبت منظمة العفو الدولية بما توصلت إليها اللجنة من معطيات عامة، وكذلك بتعاونها مع النيابة العامة، ترى أن النطاق الذي غطته تحقيقات اللجنة كان في غاية الضيق.
فاللجنة لم تنشر قائمة كاملة بمن قتلوا أثناء المظاهرات، بما في ذلك ظروف وفاتهم، الأمر الذي قالت منظمة العفو الدولية إنه أساسي لعائلات الضحايا وللمجتمع بأسره كي يتمكن من التعاطي مع آثار الصدمة المترتبة على ما حدث.
كما لم تتقصّ اللجنة بشكل مناسب الحالات الفردية للاعتقال التعسفي والتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة السيئة، بما في ذلك على أيدي العسكريين.
فمنظمة العفو الدولية قد وثَّقت العديد من حالات التعذيب أثناء الاعتقال في وقت الاحتجاجات، بما في ذلك حالات ضرب متكرر بالعصي أو السياط، وصعق بالكهرباء، ولا سيما على أجزاء حساسة من الجسم، وعلي أجسام المعتقلين في أوضاع مؤلمة لفترات طويلة، ناهيك عن الإساءات اللفظية والتهديد بالاغتصاب.
كما أبلغ ضحايا عديدون منظمة العفو الدولية أنهم تعرضوا للتعذيب على أيدي جنود الجيش. فقبض على "فؤاد"، البالغ من العمر 36 سنة، في 29 يناير/كانون الثاني ونقل إلى السجن الحربي في الهيكستب. ويقول:
"عندما دخلنا المبنى، أجبرونا على الانبطاح على الأرض في الساحة ووجوهنا إلى الأسفل وضربنا مجدداً من قبل الجنود. ضربونا بالأسلاك وعصي الخيزران وصعقونا بالكهرباء. وكان أقسى أنواع الضرب في السجن الحربي ما تعرضنا له يوم وصولنا."
وقالت منظمة العفو الدولية في تقريرها إنه يتعين أن يتلقى ضحايا التعذيب تعويضاً كافياً. ودعت المنظمة السلطات كذلك إلى أن تعلن التزاماً صريحاً باستئصال شأفة التعذيب.
وقد حوكم العديد ممن اعتقلوا على خلفية الاضطرابات أمام محاكم عسكرية، رغم كونهم مدنيين.
وتقول منظمة العفو الدولية إن محاكمات المدنيين من قبل محاكم عسكرية انتهاك للمقتضيات الأساسية للإجراءات الواجبة للمحاكمة العادلة، واستمرار استخدام هذه المحاكم يثير أسئلة كبيرة حول مدى التزام القوات المسلحة المصرية بإقامة حكم القانون في مصر.
ودعت المنظمة كذلك إلى إجراء مزيد من التحقيقات في ظروف وفاة ما لا يقل من 189 سجيناً أثناء اضطرابات السجون.
وتقول منظمة العفو الدولية: "إن مئات عديدة ممن عانوا انتهاكات فظيعة خلال هذه الفترة ما برحوا ينتظرون إقامة العدالة عما لحق بها من جور".
"وهذا يشمل أسر السجناء الذين قتلوا ظلماً، ومن لحقت بهم إصابات خطيرة أثناء الاحتجاجات، والمعتقلين الذين أخضعوا للتعذيب، وضحايا القوة المفرطة التي استخدمتها قوات الأمن في مناطق لم تصلها تحقيقات اللجنة الحكومية."
"إن أمام السلطات المصرية الكثير مما ينبغي أن تفعله لإعادة بناء ثقة الجمهور بالمؤسسات العامة، التي رأت فيها أدوات للقمع وعقبات أمام إقامة العدالة. ويتعين عليها البدء بإعادة نظر كاملة بالقوانين التي سمحت لهذه الانتهاكات بأن تقع، وباتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أن لا تتكرر مثل هذه الانتهاكات في يوم من الأيام."
وعلى هذا الطريق، وضعت منظمة العفو الدولية ما توصلت إليه من معطيات بين يدي النائب العام كي تدعم تحقيقاته بشأن المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان هذه.
....
http://www.amnesty.org/ar/news-and-updates/report/egypt-victims-protest-violence-deserve-justice-2011-05-17
الأحد، 8 مايو 2011
الأحد، 1 مايو 2011
الفنان : حامد عويس
أولا:كل عام وعمال مصر والعالم بألف خير
لوحة: خروج الوردية
الفنان :حامد عويس
حامد عويس :"رائد الواقعية الاشتراكية في التصوير المصري المعاصر.. أعماله ملحمة خالدةٌ، وترنيمة حب للإنسان.. فالإنسان دائمًا هو بطل هذه الملحمة.. والحياة في جوهرها ملحمة درامية تتصارع فيها الأضداد.. النور والظلام.. الجمال والقبح.. الأبيض والأسود.. النهار والليل.. الحب والكره.. الخير والشر.. وأعمال حامد عويس دائمًا ما تنتصر للجانب الإيجابي والخيِّر والمضيء في هذا الصراع، فتغنت بالقيم الإنسانية السامية”
من مقدمة د.مصطفى عبد المعطي لكتاب عنه : حامد عويس ..الإبداع والثورة
فيديو لبعض أعمال الفنان من :منتديات ورد للفنون
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)